دور جماعات الضغط في التأثير على السياسة العامة في العراق

سالي سعد محمد

 

أولا: جماعات الضغط تعريفها – ووسائلها في التأثير على السياسة العامة

تعني جماعات الضغط بأنها: جماعة أو فئة لها مصالح أو توجهات مشتركة، ويغلب أن يكون لهذه الجماعة عمل أو مهنة واحدة من مجالات المهن والعمل أو في ميادين الاقتصاد والتجارة تسعى إلى التأثير في السياسات العامة حفاظا على مصالحها أو تأكيدا لتوجهاتها، وليس من اهدافها تحمل مسؤولية مباشرة في الحكم، كما يمكن تعريفها بأنها: مجموعة من الأفراد يلتقون في أهداف وصفات أو خصائص معينة يسعون لإحداث التأثيرات المطلوبة في السلوك الذي يتخذه صناع القرار باتجاه قضاياهم ومطالبهم وتوجيهها لتحقيق مصالحهم المشتركة.

ومن هذه الجماعات: الاتحادات المهنية، نقابات العمال، الجمعيات الاجتماعية والدينية وغيرها، وتسعى هذه الجماعات للتأثير في أطراف صنع القرار للاهتمام بقضاياها ومشاكلها ودفعها لاتخاذ مواقف أو قرارات لها صفة السياسات العامة.

ولجماعات الضغط مجموعة وسائل للتأثير في السياسات العامة، تختلف من جماعة الى اخرى ومن نظام سياسي إلى آخر وهي:

1- التفاوض والمساومة مع السلطة السياسية من أجل الوصول إلى نتائج إيجابية.

2- التهديد من خلال تكثيف الدعاية، وتوجيه الانتقادات لأصحاب السلطة والضغط عليهم باستخدام الرأي العام.

3- التأثير في السلطة التنفيذية والجهاز الإداري للدول من خلال تقديم المعلومات الدقيقة والتفصيلية، وعضوية ممثلي هذه الجماعات في المجالس الإدارية واللجان الفنية، مما يمكنها من المساهمة في عملية صياغة السياسات العامة والمشاركة في وضع بدائل عملية لحل المشاكل العامة.

4- التحريض على الاضطرابات والتظاهرات، واستعمال هذه الوسائل يتماشى والظروف السياسية إلى جانب قوة الجماعة وإمكانياتها.

ولجماعات الضغط مساهمة فاعلة في عملية صنع السياسات العامة في مختلف الدول، ويكمن اختلاف التأثير في تلك الدول بسبب اختلاف طبيعة النظام السياسي ويتاح المجال الجماعات المصالح للتأثير في صنع السياسات العامة في الأنظمة الديمقراطية أكثر من الأنظمة الشمولية أو الاستبدادية، إذ تشكل جماعات الضغط إحدى السمات المميزة للنظام الديمقراطي الذي يمنحها دورة قانونية للعمل وممارسة النشاط في العملية السياسية، كما إن التطور التقني الذي يشهده العالم أعطاها فرصة تراكم المعلومات الفنية والتقنية عن القضايا الخاصة التي تمثل مصالحها، الأمر الذي يمكنها من أن تكون الأكثر قدرة على توفير المعلومات عن هذه القضايا لصانعي السياسة العامة وبالتالي المساهمة في صياغة هذه السياسات في الهيئات التشريعية والتنفيذية والجهاز الإداري.

وهذا التأثير يمكن أن يكون إيجابي للدفع نحو سياسات تؤيد مصالحها، أو قد يأخذ شكلا سلبيا لمنع الأخذ بسياسات تعرقل مصالحها، بينما في الدول غير الديمقراطية والنامية فإن دور جماعات الضغط يكون محدودا في حال وجودها، ويقتصر في كثير من الأحيان بكونها مصدرا للمعلومات أو قناة تقدم منها الشكاوى، أو أداة تدعيم سيطرة النظام على أعضاء هذه الجماعات، وغالبا ما تخضع جماعات الضغط في هذه الأنظمة لإدارة الدولة، وتعتمد مالية على الإعانات التي تقدمها لها، وهو ما يفقدها استقلاليتها، الأمر الذي يؤدي إلى فرض قيود من الدولة على مطالب هذه الجماعات وقياداتها وأساليب عملها.

ثانيا: دورها في صنع السياسة العامة العراقية قبل وبعد عام 2003

ويمكن الانطلاق من فرضية ان هناك دور مباشر للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية للنظام السياسي في صنع السياسات العامة، وان هذا الدور متباين في قوته وفاعليته من مؤسسة إلى أخرى داخل النظام السياسي نفسه ونوع العلاقة بينهما من جهة، ومن نظام سياسي إلى أخر من جهة أخرى.

قبل عام 2003 لم يشهد العراق ظهور جماعات ضغط داخل البلاد بسبب السلطة الحاكمة الشمولية والمتسلطة وظهرت فقط اتحادات ونقابات شبابية ونسوية وعمالية لكنها كانت تابعة ومؤيدة للنظام الحاكم، أما خارج البلاد كانت جماعات الضغط التي تؤثر هي الأحزاب والشخصيات المعارضة لنظام الحكم (نظام صدام حسين) والتي أيدت قرار احتلال العراق في (مؤتمر لندن 2002) وكان لها دور في الضغط تجاه قرارات مهمة، مما أثر بشكل كبير على بنية الدولة العراقية بعد عام 2003، وبعد ذلك تحولت جماعات الضغط هذه إلى أحزاب رسمية وشاركت في مجلس الحكم واستمرت في رئاسة الحكومات المتعاقبة…

ان الواقع العراقي الحالي يشير بعدم وجود آليات أو سياقات عمل منظمة او واضحة المعالم لدى جماعات الضغط المهيمنة على القرار العراقي بين مصالحها من جهة ومصلحة المواطن والوطن من جهة اخرى، ويظهر ايضاً في صورة تناحر وتصارع سياسي واقتصادي واجتماعي تنعكس آثاره سلباً على الوضع العراقي بكل جوانبه، فعملية بناء جماعات ضغط تمتلك رؤية واهداف وأدوات ومصالح مستدامة غير متوفرة في العراق، وذلك لأن بنية وهيكلية جماعات الضغط تتخذ أشكال متعددة: (مجموعات التي تعتنق معتقدات دينية، ومجموعات التي ترتكز على الايديولوجيا قومية او مذهبية، جماعات الضغط والتي ظهرت منذ ٢٠١٤ وهي جماعات من الناشطين والمدونين على منصات التواصل الاجتماعي، ظهرت في البداية كأفراد غير واضحين الانتماء ولا يمتلكون الرؤية والسياسية ولا الادوات الفاعلة لإحداث نوع بسيط من التحول وفرض عنصر ضغط مؤثر ومتكامل وهذا النوع تمثله فئات من المدافعين، والاعلاميين، والمدونين انتقل نشاطهم نحو تبني قضايا الانتقاد في ملفات الاخفاق الحكومي في الغالب، وأخيرا جماعات ضغط تحمل رؤى ومصالح واجندة خارجية حرصت على التدخل في قرار جماعات الضغط العراقية لتحقيق مصالح دولها على حساب مصلحة المواطن والعراق).

وسوف نأخذ أمثلة على أهم الجماعات المؤثرة على الساحة العراقية:

1- المرجعيات الدينية:

أحدى أهم جماعات الضغط في العراق لكونها تمتلك مقومات الدور الفاعل الذي تؤديه داخل النظام السياسي للتأثير على قرارات السلطة ولكون الخطاب الديني يمتلك تأثيرًا كبيرًا في توجيه مشاعر المجتمع سياسيًا، ويعد المرجع (علي السيستاني) من أهم المرجعيات للشيعة في العراق ويمتلك نسبة التأثير الأكبر على رأي الشارع العراقي، ويسمى بـ”صمام أمان” العملية السياسية لما له من العديد من المواقف الحاسمة في المشهد العراقي الحديث، منذ بداية عام 2003 وصولا الى فتوى الكفاء الجهادي وتظاهرات تشرين عام 2019، وتمتلك المرجعيات الدينية مقومات الدور الفاعل الذي تؤديه داخل النظام السياسي للتأثير على قرارات السلطة من خارجها، اذ تعمل على جعل قرارات هذه السلطة تتطابق مع أفكار الفئات التي تمثّلها ومصالحها، وتستطيع أن تجيّش عددًا كبيرًا من طلابها وخطبائها من خلال أماكن العبادة والمناسبات الدينية لدعم قضاياها وبخاصة في أثناء الانتخابات أو الأزمات، وتمتلك هذه المرجعيات عنصر القوة المالية المتشكل من الاستفادة من مردودات التبرع بالخمس، والسياحة الدينية في النجف وكربلاء، وسلاسل كبيرة من الاستثمارات والشركات المتنوعة، بالإضافة إلى امتلاكها مراكز تفكير وأبحاث إستراتيجية ومؤسسات إعلامية ضخمة.

2- شيوخ العشائر:

لعبوا دور جماعات الضغط لكن بشكل نسبي ومحدود، اذ اقتصر دورهم على القرى والأرياف والمدن ذات الطابع القَبلي، وكان دورها في توجيه أفراد العشيرة في انتخاب المرشح عن العشيرة أو الضغط على المسؤول في الحكومة الذي ينتمي للعشيرة للحصول على مصالح اقتصادية خاصة أو الحصول على وظائف لشباب العشيرة.

3- التحركات الشعبية والمتمثلة بالتظاهرات والاعتصامات لمختلف شرائح البلاد:

نتيجة لسوء الادارة وتردي الاوضاع الاقتصادية والخدمية والفساد مثل: (تظاهرات تشرين عام 2019) والتي شكلت ضغوطاً على القوى السياسية وساهمت في تحريك عجلة الاصلاحات في العراق وأهمها تغيير النظام الانتخابي سانت ليغو المعتمد الى قانون يقر الانتخاب على أساس فردي لكل دائرة انتخابية مع امكانية أن تكون القوائم مفتوحة، و(تظاهرات المحاضرين المجانيين في مختلف محافظات العراق التي خرجت للمطالبة بحقوقهم بأدراجهم في موازنة عام 2021، وحصدوا ذلك عن طريق الضغط على الحكومة بالطرق السلمية وتم أدراجهم فعليا، و(اعتصامات الخريجين العاطلين عن العمل) التي مازالت مستمرة لحد الان.

4- المراكز الثقافية والتعليمية:

مثل المنتديات والجامعات والنقابات، والمساجد والجوامع وايضاً الحسينيات، جماعات ضغط ومراكز انطلاق للإصلاح والتغيير لا يمكن تجاهله، اذ بإمكان هذه الكيانات أن تستقطب الافراد حول قضية ما وتحويلهم الى تيار معارض او مصلح لأي انحراف في الدولة، وتأصيل المطالب المشروعة وإعطائها بعداً حضارياً وقيمياً أي تتبنى قضايا مثل السلم، والحرية، والعدالة، وحقوق الانسان، وليس مطالب شخصية او مسيسة، انما مطالب نابعة من كيان الانسان الفرد والمجتمع، وطالما كانت المساجد في الاسلام منطلقاً لحل الازمات والمشاكل المجتمعية او السياسية.

ثالثاً: سلبيات وإيجابيات جماعات الضغط

ان اهم سلبياتها هي:

1- تقوم على اساس تحقيق مصالح فئوية، مما يتعارض والمصلحة العامة.

2- غالباً ما تفرض على اعضائها الولاء لها، وهذا ينافي مع ولاء العضو للجماعة الكبرى وهي الدولة.

3- تتبع معظم جماعات الضغط اساليب ملتوية في سبيل تحقيق اغراضها.

4- جماعات الضغط لاتمثل المصالح المتعارضة لجميع فئات المجتمع.

أما اهم الإيجابيات هي:

1- نمو الجهاز الحكومي وازدياد عدد موظفيه يهدد بالقضاء على حريات الافراد، مالم ينظم هؤلاء الافراد في جماعات قوية تستطيع ان تكون ندا لهذا الجهاز عند الضرورة، وان تحمي حرياتهم من استفحال نموه.

2- تقوم جماعات الضغط بالتأثير في الحكومة طوال الفترات بين الانتخابات العامة، بينما يكون الفرد في هذه الفترات عاجزا عن احداث أي تأثير يقابله.

3- تملك هذه الجماعات بحكم تخصصها وتمارسها بمهامها وسائل الوقوف على البيانات والاتصال بالجهات الموثوق بها واهل الخبرة في مختلف الوان المعرفة، من ثم يسهل على الحكومة دراسة مشروعات القوانين المقترحة واحسن الطرق لتنفيذها يضاف الى ذلك ان الجماعات اكثر تأثرا بالقرارات الحكومية من الافراد واقدر منهم على استثارة المعارضة السريعة الفعالة تجاه القرارات الحكومية المجحفة بحقوق الافراد والضارة بالمصلحة العامة.

الخاتمة:

نلاحظ جماعات الضغط في العراق تشكلت القليل منها وبدور محدود تسعى للصالح العام، اذ أغلبها تهدف للوصول للسلطة والتمسك بها عكس هدف جماعات الضغط الحقيقية التي لا تسعى للوصول الى السلطة أو التأثير بها، وشكلت التداعيات السلبية للسياسات الخاطئة، من غياب الديمقراطية الحقيقية وصعود قيادات سياسية لها ولاءات متعددة فوق الولاء للوطن، والانقسامات داخل المجتمع العراقي الاجتماعية والسياسية والطائفية دور كبير في ذلك، ولتجاوز ذلك يجب على كل مواطن عراقي يتجاوز الانقسامات ويضع الهوية الوطنية العراقية الموحدة ومعيار مواطن عراقي هويه له ويعرف دوره الكبير في عملية الضغط وحق ممارسة إبداء رأيه في السياسية العامة للدولة.

ويجب عدم فقدان الثقة بأنفسهم اذ أنهم قادرون على فعل شيء يسهم في التأثير على القرار السياسي بما يصب في مصلحه العراق ومصلحتهم، وليس في مصالح الاحزاب والشخصيات السياسية الفاسدة، وهذا لايتم عبر العنف وهدم أسس الدولة وزعزعة النظام العام بل بإفساح المجال لإسهام المستقلين في صنع السياسات العامة للبلاد، وأن ممارسة الضغط على الحكومات في جميع أنحاء العالم، يتشكل بالأساس من مواقف افراد المجتمع، عندما يلتزمون بالاعتصام، أو نشر الكلمة المعارضة في كل مكان، فجماعات الضغط في العالم، معظمها يتشكل من افراد المجتمع، فهم الذين يتظاهرون ويكتبون وينشرون ويتبرعون.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/27023

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M