ضمانات الحق في المساواة في القانون العراقي

لرقابة الأحزاب السياسية الوطنية دور بارز في صيانة الحق في المساواة وكذا الأمر بالنسبة إلى جماعات الضغط والمنظمات غير الحكومية التي تلعب دوراً سانداً يسهم في تكوين وانضاج الرأي العام أو تكوينه باتجاه صيانة الحق في المساواة ومقاومة التوجهات الحكومية التي من شأنها ان تحابي…

ارتبطت الحقوق والحريات منذ القدم بالقانون الطبيعي بوصفها نواميس إنسانية بعد ذلك ظهرت نظرية العقد الاجتماعي والتي أقامت الحق في المساواة على أسس نظرية وواقعية لاسيما روسو حينما حدد في كتابه العقد الاجتماعي الحالة الطبيعية للأفراد، والتي افترض إنهم كانون يعيشون فيها في ضوء الخضوع للقانون الطبيعي، ليخرج بذلك الحق في المساواة من الحالة النظرية إلى الحالة القانونية حين صدر إعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن الفرنسي العام 1789 والذي أشارت مادته الأولى إلى أنه “يولد الأفراد و يعيشون أحراراً و يتساوون في الحقوق” وورد في مقدمة الدستور الفرنسي للعام 1791 أنه “لا يجوز للسلطة التشريعية أن تضع أي قوانين من شأنها أن تضر أو تعرقل ممارسة الحقوق الطبيعية والمدنية المنصوص عليها في الباب الأول من الدستور التي يضمن الدستور حمايتها” وعلى رأس تلك الحقوق المساواة بوصفها مبدأ أساسيا، ومن الثابت أنها تظهر بتجليات عديدة أهمها:

1- المساواة أمام القانون: أي وجوب تطبيق القانون على الجميع بلا تمييز ولأي سبب كان.

2- المساواة أمام القضاء: ويقصد بها ضمان الحق في التقاضي أمام المحاكم العادية وغير الاستثنائية للجميع وفي كل الأوقات.

3- المساواة أمام التكاليف العامة: كالضرائب وتحمل تبعات الأعمال المخصصة للنفع العام.

4- المساواة في تولي الوظائف العامة: إذ أن تقلد الوظائف العامة في العراق واحداً من أبرز الحقوق التي كفلها الدستور كحق للمواطن بالعمل وبحياة حرة كريمة.

5- المساواة أمام خدمات المرافق العامة: فمن الثابت ان الحق في تلقي الخدمات على نحو من المساواة بين الجميع تكفل به الدستور العراقي والقوانين النافذة ونشير بهذا الخصوص إلى المادة (34) من الدستور العراقي التي تشير إلى “التعليم عامل أساس لتقدم المجتمع وحق تكفله الدولة، وهو إلزامي في المرحلة الابتدائية، وتكفل الدولة مكافحة الأمية” ومن نافلة القول ان ما تقدم يعد وبحق مصدر أساس لضمان الكرامة الإنسانية.

ويراد بالمساواة عدم التفرقة بين الأفراد، بالتمتع بمختلف الحقوق والحريات العامة منها والخاصة، فلا يجوز أن يشكل الأصل، أو اللغة، أو الدين، أو الجنس، أو العرق، أساس للتعامل مع الأفراد، وهو ما أشار إليه الدستور العراقي للعام 2005 في المادة (14) التي انتهت إلى “العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي” فكل ما تقدم أمور مفروضة على الإنسان، لا يخترها بنفسه بل تفرض عليه بحكم التكوين أو الخلق أو المنطقة التي يعيش فيها أو ما يمكن ان يتعرض إليه من حوادث، أما الأمور المكتسبة، والتي يحرزها الفرد خلال حياته كالتعليم أو التدريب فيجوز التمييز على أساسها، مع الأخذ بنظر الاعتبار ان ما ورد من اعتبارات أعلاه وردت على سبيل المثال وليس الحصر، ويكفي مجرد الاسترشاد بعموم النص الدستوري لمعرفة مضامين الأحوال التي تمثل مظهراً للتمايز بين الأفراد، ولا يشترط ذكرها جميعا في الوثيقة الدستورية لإسباغ الحماية اللازمة عليها، لذا يتحتم الإشارة لضرورة تعظيم الضمانات التي تكفي لصيانة الحق في المساواة والبعض من هذه الضمانات مقررة بنصوص دستورية أو تشريعية والبعض الآخر منها مقرر بمقتضى المنطق القانوني المجرد والقانون الطبيعي وفي مقدمتها:

أولاً- إقرار الحق في مقاومة طغيان السلطة الحاكمة وتعد وبحق واحدة من أهم الضمانات التي تكفل مبدأ المساواة بين الأفراد ويعرف هذا المبدأ بأنه رد الفعل الاجتماعي للإخلال بقاعدة قانونية ضامنة للحقوق والحريات.

ثانياً- الرقابة المتبادلة بين السلطات العامة: وتظهر في تجليات الرقابة القضائية والبرلمانية على الأداء الحكومي، ومساءلة الموظف أو المسؤول الحكومي الذي يرتكب خطأ معين من شأنه الإضرار بالمصلحة العامة، ويملك البرلمان العراقي على سبيل المثال الحق في:

1- السؤال.

2- طرح موضوع عام للمناقشة.

3- التحقيق بالمخالفات.

4- الاستجواب.

ونشير هنا إلى ما ورد المادة (61) من الدستور العراقي التي تنص على ان من أهم اختصاصات مجلس النواب العراقي “لعضو مجلس النواب ان يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء أسئلة في أي موضوع يدخل في اختصاصهم ولكل منهم الإجابة عن أسئلة الأعضاء، وللسائل وحده حق التعقيب على الإجابة.

يجوز لخمسة وعشرين عضواً في الأقل من أعضاء مجلس النواب طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة وأداء مجلس الوزراء أو إحدى الوزارات، ويقدم إلى رئيس مجلس النواب، ويحدد رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء موعداً للحضور إمام مجلس النواب لمناقشته.

لعضو مجلس النواب وبموافقة خمسة وعشرين عضواً توجيه استجواب إلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم، ولا تجري المناقشة في الاستجواب الا بعد سبعة أيام في الأقل من تقديمه.”

كما ان للرقابة السياسية على الأداء الحكومي لضمان الحق في المساواة تطبيقات أخرى لا تقل أهمية عما سبق وهي:

1- رقابة الرأي العام.

2- رقابة الأحزاب السياسية.

3- رقابة المؤسسات الإعلامية.

والرأي العام يعني اجتماع كلمة أفراد الشعب في وقت معين على رأي تجاه المشكلات التي تواجهها الأمة ولضمان التأثير الحقيقي للرأي العام في الشأن العام وإحداث التغيير الإيجابي في سلوك المؤسسات العامة نحتاج إلى مقومات تتمثل في ((المستوى التعليمي والثقافي لأفراد الشعب، ومستوى الوعي السياسي)) فكلما انخفضت نسبة الأمية الثقافية والتعليمية كان أفراد الشعب أكثر مساهمة في صيانة الدستور وضمان الحقوق والحريات لاسيما الحق في المساواة وبالتأكيد نحن بحاجة إلى رفع الثقافة القانونية للفرد ليكون على بينه بما له وما عليه، فلا يمكن ان ننكر ان التعويل يكون على الفرد ذاته ليكون الدرع الواقي لمصلحة العامة إزاء تحكم السلطات العامة أو انحرافها عن جادة الصواب.

يضاف إلى ما تقدم ان لرقابة الأحزاب السياسية الوطنية دور بارز في صيانة الحق في المساواة وكذا الأمر بالنسبة إلى جماعات الضغط والمنظمات غير الحكومية التي تلعب دوراً سانداً يسهم في تكوين وانضاج الرأي العام أو تكوينه باتجاه صيانة الحق في المساواة ومقاومة التوجهات الحكومية التي من شأنها ان تحابي أو تميل لصالح أشخاص أو فئة معينة ولأي سبب كان، يشار إلى ان المنظمات غير الحكومية وسائر مكونات المجتمع المدني يمكن ان تجد لها دوراً رائداً ومحورياً فيما تقدم إذ يمكنها ان تتابع القوانين والقرارات والسياسات العامة وتحدد نقاط الانحراف فيها عن مبدأ المساواة وتطلع الرأي العام على مآلات ذلك.

كما وتعد الرقابة القضائية بمختلف تطبيقاتها الضمانة الأكثر فاعلية لصيانة مبدأ المساواة بين العراقيين سواءً منها الرقابة على دستورية القوانين أو الرقابة على مشروعية أعمال السلطة التنفيذية وكلاهما تم التأسيس له بنصوص صريحة منها:

أولاً- رقابة المحكمة الاتحادية العليا: التي تم التأسيس لها بموجب المادة (93) من الدستور والتي تنص على ان تختص المحكمة الاتحادية العليا بـ “الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة” فكل قانون أو نظام يصدر عن البرلمان أو الحكومة من شأنه ان يخالف الدستور لاسيما المادة (14) التي أسست للمساواة يكون تشريع غير دستوري وجزاءه الأوفى الإلغاء من قبل المحكمة الاتحادية العليا، ليس هذا فحسب بل ان الدستور منح المحكمة ولاية “الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطات الاتحادية” ويكفل الدستور لذوي الشأن من الأفراد المتضررين مما تقدم حق الطعن أمام المحكمة للمطالبة بإلغاء القانون أو النظام أو القرار المخالف لمبدأ المساواة بين العراقيين.

ثانياً- رقابة محكمة القضاء الإداري العراقية: حيث أسس الدستور العراقي في المادة (100) والقانون لمحاكم القضاء الإداري في العراق بموجب قانون مجلس الدولة العراقي رقم (65) لسنة 1979 المعدل والذي يشير في المادة السابعة منه إلى “تختص محكمة القضاء الإداري بالفصل في صحة الأوامر والقرارات الإدارية الفردية والتنظيمية التي تصدر عن الموظفين والهيئات في الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والقطاع العام التي لم يعين مرجع للطعن فيها بناءً على طلب من ذي مصلحة معلومة وحالة ممكنة، ومع ذلك فالمصلحة المحتملة تكفي ان كان هناك ما يدعو إلى التخوف من إلحاق الضرر بذوي الشأن”.

ومما تجدر الإشارة إليه ان رقابة القضاء وسائر الجهات التي تنهض بمسؤولية التصدي للانحرافات الحكومية تهدف إلى ضمان مشروعية عمل السلطات التنفيذية العراقية بمختلف مستوياتها أولا وصيانة الحقوق والحريات وعلى رأسها الحق في المساواة أمام القانون من خلال:

أولاً- الحماية الوقائية: والتي تنصرف إلى أن صيانة جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها بموجب الدستور والقانون بمنع المشرع أو الإدارة من تناولها بالتعديل أو التنظيم على نحو يفرغها من مضامينها الإنسانية والقانونية وهو ما أشارت إليه المادة (46) من دستور جمهورية العراق والتي تنص على أن “لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون أو بناء عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية “فعليه لا يمكن ان يتم تنظيم الحقوق والحريات على نحو يمس بها من حيث الجوهر ويفرغها من المضمون ويكون القضاء الدستوري والإداري مختصاً بمراقبة التشريعات العادية أو الفرعية التي تصدر والتي من شأنها ان تعرض القيم المشار إليها أعلاه للخطر.

ويشار إلى ان الحق في المساواة حتى لو ولم يكن مصان بقواعد قانونية واضحة المعالم فان القضاء الإداري ابتدع ما بات يعرف اليوم بالمبادئ العامة للقانون والتي تعد كافية للصيانة اللازمة لما تقدم، ومن تطبيقاتها الحق في المساواة أمام المرافق العامة والحق في المساواة أمام خدمات المرفق العام والحق في المساواة في الأجر المتساوي للعمل المتماثل وهو ما أشار اله الدستور العراقي بالمادة (22) التي أشارت إلى “ينظم القانون، العلاقة بين العمال وأصحاب العمل على أسس اقتصادية، مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية”.

ثانياً- الحماية العلاجية: والتي تتمثل بسلطة المحكمة بالإعلان عن عدم دستورية القانون أو النص المخالف للدستور أو ان تعلن المحكمة الإدارية المختصة إلغاء القرار الإداري المتعارض مع مبدأ المشروعية وبالخصوص الحق في المساواة بوصفه مبدأ قانوني راسخ وهو ما أشار إليه قانون مجلس الدولة العراقي بالمادة (7 البند ثامناً) “تبت محكمة القضاء الإداري في الطعن المقدم إليها، ولها ان تقرر رد الطعن أو إلغاء أو تعديل الأمر أو القرار المطعون فيه مع الحكم بالتعويض ان كان له مقتضى بناء على طلب المدعي”.

 

المصدر : https://annabaa.org/arabic/rights/38305

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M