عودة “نتنياهو”؟.. مسارات المشهد السياسي في إسرائيل

شادي محسن

 

تتحدد مجموعة جديدة من المتغيرات التي تصف الفصل الانتخابي الخامس الذي إسرائيل بصدده اليوم 1 نوفمبر. وتشمل هذه المتغيرات الجديدة أولًا تغير أولويات الناخب الإسرائيلي، إذ كانت الأولويات سابقًا تركز على الاعتبار الأمني المقام الأول، يليه الاقتصاد، ثم علاقة الدين بالدولة. لكن حسب استطلاعات الرأي الأخيرة فيهتم الناخب الإسرائيلي بالقضايا الاقتصادية، ثم الاجتماعية أي علاقة الدين بالدولة، ثم الاعتبار الأمني.

وثانيًا أن 43% فقط من الناخبين الإسرائيليين يتفاءلون بقوة سياسات الحكومة تجاه قضايا الأمن القومي، خاصة بعد سلسلة الهجمات في الضفة الغربية. وهي نسبة يُلاحظ انخفاضها كل عام تقريبًا؛ إذ كانت قبل الاستطلاع الأخير بنسبة 65% حسب استطلاع رأي عام 2021، فيرى 62% من الإسرائيليين تزايد احتمالية اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة، ونسبة الذين يؤمنون بهذا في تيار اليسار (71٪) أعلى قليلاً من اليمين (64.5٪) والوسط (60%).

ثالث هذه المتغيرات هو انخفاض المخصصات المالية للبنود الاجتماعية والاقتصادية المباشرة في الميزانية الإسرائيلية 2022، وارتفاعها لبنود تمويل الوزارات وبنود الأمن والدفاع. وعلى الرغم من ذلك لم تنجح السياسات الأمنية في صد هجمات المقاومة في الضفة الغربية، ولم تنجح كذلك في استقرار الحكومة أكثر من عام واحد. أما الرابع فهو عزوف الناخب العربي في إسرائيل عن التصويت في الانتخابات هذه المرة بين نسبة 55% إلى 60% من الناخبين العرب؛ نتيجة عدم نجاح سياسات الحكومة في تعديل الأوضاع المعيشية واستمرار غياب العدالة الاجتماعية ونسب الفقر والبطالة، ويضاف إلى ذلك تفكك القائمة العربية المشتركة إلى ثلاث قوائم حزبية بعد إقصاء حزب التجمع.

ويمثل المتغير الخامس هو نجاح بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود في قيادة معسكر المعارضة في الكنيست، عبر عدد من الأدوات الإعلامية، والسياسية، وغير المباشرة مثل جذب نواب كنيست من أحزاب مختلفة وضمهم سواء للمعارضة أو لحزبه بشكل مباشر. مما أسفر عن سقوط الحكومة وعدم بلوغها النصاب القانوني 61 نائب. وسادسًا، اعتزال نفتالي بينيت زعيم حزب يمينا سابقا ورئيس الحكومة في ولايتها الأولى الحياة السياسية، وهو الذي عُدّ السياسي اليميني المتطرف الوحيد في إسرائيل الذي يعارض عودة نتنياهو مرة أخرى إلى السلطة.

سيناريوهات ما بعد الانتخابات

يحكم المشهد السياسي في إسرائيل عدد من السيناريوهات المتوقعة، وهي حسب ترتيب الأكثر ترجيحا ثم الذي يليه كالتالي:

أولًا: حكومة يمينية متطرفة

يتمتع نتنياهو بزعامة معسكر يميني متطرف مستقر نسبيًا، حصل على ما يساوي 61 مقعدًا في استطلاعات الرأي الأخيرة، وهو ما يؤهل نتنياهو لتشكيل حكومة يمينية متطرفة في مدة لا تتجاوز الـ 28 يومًا. ويَحوي مُعسكره أربعة أحزاب أساسية وهي: حزب الليكود 31 مقعدًا، وحزب شاس 9 مقاعد، وحزب يهودات هاتوراة 7 مقاعد، وحزب الصهيونية الدينية 14 مقعدًا.

ولكن تقف أمام نتنياهو مجموعة تحديات، وهي أن المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعارضان تشكيل حكومة أقلية ذات اتجاه يميني متطرف في إسرائيل برئاسة نتنياهو، ويدعمان بشكل ملحوظ تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع عددًا لا بأس به من التيارات السياسية المختلفة، وخاصة تيار الوسط.

ويدرك نتنياهو أهمية استقرار التنسيق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتعظيم فرص الاقتصاد الإسرائيلي ومكانتها الإقليمية في الشرق الأوسط. لا يزال الجيش الإسرائيلي في حاجة ماسة للحصول على ذخائر صاروخية للقبة الحديدية، وقنابل استراتيجية تمكن إسرائيل من ضرب مواقع إيران الحصينة بنجاح. وكذلك لا تزال البنية التحتية للتكنولوجيا الفائقة تحتاج إلى استثمارات أوروبية ضخمة لتمويل مشروعات معرفية في مجال الأمن السيبراني، ومعالجة البيانات، والصحة والتعليم، والموانئ.

ذلك بالإضافة إلى أن الأردن الجار الشرقي لإسرائيل من جهة غور الأردن، سيعيد العلاقات مع إسرائيل إلى مربع التوتر الحاد كسابق عهدها. إذ يشمل الطرفان مشروعات اقتصادية مشتركة تحمل جدوى استراتيجية على مستويات ثنائية وإقليمية. ويبقى المحدد الاقتصادي رقمًا مهما في معادلة المشهد السياسي في إسرائيل؛ كونه يمثل الأولوية الأولى في الحسابات السياسية للناخب الإسرائيلي.

ثانيا: حكومة وحدة وطنية برئاسة نتنياهو

وهو السيناريو الثاني الأكثر ترجيحًا، تتأسس حكومة الوحدة في إسرائيل على جمع التيارات الثلاثة الرئيسة: تيار اليمين، والوسط، واليسار؛ أي سيعمل نتنياهو على جمع عدد من الأحزاب اليمينية مثل شاس (9) ويهودات هاتوراة (7) من اليمين، وقائمة المعسكر الوطني (12) من الوسط، وحزب القائمة الموحدة (4) (منصور عباس) وحزب العمل (5) من اليسار.

تشكيل حكومة وحدة برئاسة نتنياهو يعني اضطرار الأخير للتفاوض مع أحزاب مناهضة لاستمراره على رأس الحكم، إما حزب هناك مستقبل برئاسة يائير لابيد، أو حزب المعسكر الوطني برئاسة بيني جانتس. على الرغم من التفاهم الملحوظ بين يائير لابيد ونتنياهو إبان الحرب الخامسة في غزة -إذ انتشرت صور توضح الاطلاع الأمني الذي حرص عليه لابيد مع نتنياهو- فإن ذلك لا يعني ذلك موافقة لابيد على الانضمام لحكومة تكون برئاسة نتنياهو، وكذلك الحال مع بيني جانتس. لكن من المتوقع بعض الشيء أن يوافق أحدهما على الانضمام لحكومة تشمل نتنياهو في حال تسلم قيادة الحكومة في ولايتها الأولى على غرار الاتفاق الذي جمع نفتالي بينيت ويائير لابيد في الانتخابات الرابعة 2021.

تعني حكومة وحدة وطنية ضم أحزاب مناهضة لسياسات أمنية واستيطانية محددة مثل بناء المستوطنات أو ضم أجزاء من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، أو السماح للمستوطنين باقتحام المقدسات الإسلامية. وهو ما يرافقه تدهور أمني ملحوظ في الضفة قد يتبعه اندلاع غضب الشارع الفلسطيني في أية لحظة. لذا من المقدر أن تكون حكومة الوحدة الوطنية حاملة لذات الهشاشة السياسية والأيديولوجية التي كانت لحكومة بينيت-لابيد سابقًا.

ولكن لا يعني ذلك عدم استقرارها السياسي وحلها في أي وقت على غرار حكومة بينيت؛ وذلك لأن انسحاب حزب من الائتلاف الحكومي قد يخصم عدد مقاعده التي فاز بها في الانتخابات وتزال الحكومة محافظة على نصابها القانوني وهو 61 مقعدًا. هذا في حال استبقى نتنياهو على حزب الصهيونية الدينية (المحسوب على التيار الأكثر تشددًا) ويرفض هذا الحزب الانضمام إلى حكومة تشمل الفلسطينيين العرب في إسرائيل.

ولكن في حال أقصى نتنياهو هذا الحزب مؤقتًا خارج الائتلاف تحسبًا لسيناريو الحل في أي وقت، في مقابل منح مخصصات مالية محددة لنشاطهم الحركي، ولبناء المستوطنات في الضفة الغربية، قد يكون هذا السيناريو مؤهلًا للتحقق. يقيده فقط رفض الأحزاب الائتلافية سياسة نتنياهو الداعمة لتلك الأحزاب أو رفض النخب العسكرية هذا النشاط كونه يسهم في تأجيج الوضع في الضفة.

ثالثًا: بقاء الحكومة في وضعها الحالي

تضم الحكومة الحالية (حكومة تسيير الأعمال) أحزاب: المعسكر الوطني (12)، هناك مستقبل (25)، يسرائيل بيتينو (6)، العمل (5)، ميرتس (5)، القائمة الموحدة (4). تلك هي الأحزاب الرئيسة والمؤهلة لعبور نسبة الحسم في الانتخابات ضمن المعسكر المناهض لنتنياهو. ولكن يعني ذلك عدم اكتمال النصاب القانوني لتشكيل الحكومة 61 مقعدًا والوقوف عند 58 مقعدًا فقط.

لذلك سيكون حزب الجبهة العربية للتغيير (4 مقاعد) هو رمانة الميزان في هذا السيناريو، ما إذا كان سيقبل الانضمام إلى هذا التحالف بذلك الشكل أم يرفض؟ جدير بالإشارة إلى أن الأحزاب العربية في إسرائيل شعرت بتراجع سياسات الحكومة الإسرائيلية الداعمة للمجتمع العربي في السنوات الماضية، لذلك ستكون لها شروط صارمة من أجل ضمان نجاح أجندتها وبالتالي الموافقة على الانضمام لائتلاف يترأسه لابيد وجانتس.

هناك تقاطعات سياسية إيجابية نسبيا بين لابيد ووزير الدفاع الحالي بيني جانتس زعيم المعسكر الوطني (أزرق أبيض سابقا)، ولكن لا يعني ذلك موافقة جانتس على ترؤس لابيد للحكومة في ولايتها الأولى، قد يدخل الطرفان في مفاوضات تخص حسم هذه المسألة أيهما يكون في الولاية الأولى للحكومة.

ختاما، يمكن القول إن تلك السيناريوهات هي الأكثر ترجيحًا في مستقبل المشهد السياسي الإسرائيلي. هناك مؤشرات دالة على عودة نتنياهو إلى المشهد مرة أخرى بسبب احتلال معسكره لـ 61 مقعدًا قد تؤكدها نتائج الانتخابات أو تنفيها. ولكن لا تعني النتيجة نجاحه في تشكيل الحكومة، فيحق للرئيس الإسرائيلي منح الفرصة الأولى لتشكيل الحكومة إلى يائير لابيد وليس نتنياهو، وهو سيناريو مرجح للغاية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73726/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M