ما بعد البريكسِت: السياسة الخارجية البريطانية تجاه منطقة الشرق الأوسط بين الاستمرارية والتغيير

باسم راشد

 

تطلَّعت المملكة المتحدة عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي إلى استغلال حريتها في استعادة دورها العالمي بوصفها قوة عظمى مُنافِسَة؛ لذلك روَّجت حكومة بوريس جونسون السابقة لمفهوم “بريطانيا العالمية”، في رؤيتها لعام 2021، والتي جاءت تحت عنوان “بريطانيا العالمية في عصر تنافسي”، لكنها اصطدمت بواقع جيوسياسي دولي مُتقلِّب، وتهديدات أمنية متعاظمة عكستها الحرب الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من تداعيات، وقد يكون هذا هو ما دفع حكومة ريشي سوناك الحالية للتخلي عن مفهوم “بريطانيا العالمية” في مراجعتها المتكاملة للرؤية البريطانية التي صدرت في مارس 2023، ربما لعدم واقعيته مقارنةً بالإمكانات الفعلية للدولة، ومن ثمّ أعادت صياغة السياسة البريطانية الخارجية من منطلق “الاستجابة لعالم أكثر تنازعاً وتقلُّباً”.

 

وفيما بدا أن الرؤيتين حوَّلتا التوجه البريطاني الخارجي نحو منطقة آسيا والمحيط الهادي، نظراً لتحول مركز الثقل الجيوسياسي والاقتصادي شرقاً باتجاه هذه المنطقة واحتواء النفوذ الصيني المتصاعد، ظلت منطقة الشرق الأوسط أولوية أساسية للحكومات البريطانية المتعاقبة بعد البربكست، خاصةً حكومة سوناك الحالية. وعليه، تسعى هذه الورقة لاستكشاف ملامح الاستمرارية والتغير التي شهدتها سياسة لندن الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وما تطرحه من تحديات وفرص يمكن للمنطقة الاستفادة منها.

 

محددات السياسة الخارجية البريطانية بعد البريكست

على الرغم من عدم وجود اختلاف حول المبادئ والمحددات الرئيسة لسياسة بريطانيا الخارجية، سواء في رؤية جونسون أو تحديث سوناك، فإن الاختلاف يكمُن في المنطق العام الحاكم لرؤية كلٍّ منهما، وفي طبيعة التحديات الجديدة التي فرضت نفسها على الساحة العالمية.

 

وقد اتفقت الرؤيتان حول أربعة محددات أساسية للتحرك الخارجي البريطاني في مرحلة ما بعد البريكست، وهي: المساهمة في تشكيل نظام دولي مفتوح قائم على مبادئ التعددية والديمقراطية والاقتصاد الحر وحقوق الإنسان والتعاون والتنافس المتبادل؛ وتطوير قدرات الردع والدفاع والتنافس في جميع المجالات عبر تعزيز الردع النووي وتطوير القدرات العسكرية البريطانية ومواجهة التهديدات الأمنية العالمية؛ وبناء المرونة في الداخل البريطاني وفيما وراء البحار من خلال معالجة قضايا التغير المناخي وتعزيز النظام الصحي العالمي؛ وأخيراً توليد ميزة استراتيجية خاصة بالمملكة المتحدة من خلال العلم والقوة التكنولوجية وتقديم بريطانيا نفسها للعالم باعتبارها قوة ديمقراطية سيبرانية كبرى.

 

وتكمُن الاختلافات بين رؤيتي جونسون وسوناك في أمرين أساسيين: أولهما، المنطق العام الحاكم للرؤية والتوجه الخارجي؛ فبينما اعتمد بوريس جونسون لهجة خطابية تفاخرية، ارتكز فيها على فكرة “بريطانيا العالمية” واستعادة أمجادها كقوة عظمى متفرّدة في النظام الدولي، بدا خلَفهُ ريشي سوناك أكثر واقعية وعملية، إذ تخلى عن هذا المفهوم تماماً في تحديث الرؤية، وأعاد التأكيد على أهمية التحالفات والتعاون، سواء مع أوروبا أو الولايات المتحدة أو حلفاء بريطانيا الدوليين، لمواجهة التحديات والتهديدات العالمية المتنوعة.

 

وينبُع ذلك الاختلاف مما فرضته الحرب الروسية الأوكرانية من تهديدات أمنية على أوروبا، إذ أدركت حكومة سوناك أن أمن المنطقة الأوروبية، وبالتبعية أمن المملكة المتحدة، أصبح في خطر كبير، وأنه لا يمكن مواجهة هذا الخطر إلا بالتعاون الجماعي وبناء التحالفات، خاصةً في حال قيام روسيا بعدوان جديد على أحد الحلفاء الأوروبيين. وفيما كان جونسون أكثر تباهياً ودعماً لحرية بريطانيا بعد البريكست، ولم يحسم الملفات الخلافية في علاقة المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي، كان سوناك أكثر ذكاءً وواقعية، إذ تمكَّن من إنهاء الخلاف الأوروبي البريطاني بشأن بروتوكول أيرلندا الشمالية، وكذلك إنهاء الخلاف الفرنسي البريطاني في أعقاب البريكست وصفقة أوكوس، في محاولة لاكتساب ثقة الحلفاء في الاتحاد، وإعادة بناء علاقات إيجابية مرنة مع الكتلة لمواجهة التهديدات المشتركة.

 

ويرتبط الأمر الثاني بالأولويات الجغرافية للتحرك البريطاني الخارجي؛ وفي هذا الإطار كان تحديث سوناك أكثر وضوحاً وترتيباً لهذه الأولويات، بعكس رؤية جونسون التي اعتمدت صياغات عامة متداخلة وغير مُرتَّبة. وقد اِعتلَت المنطقة الأوروبية الأطلسية قائمة أولويات المملكة المتحدة، لتشابك أمنها واستقرارها مع الأمن الأوروبي؛ تلتها منطقة الإندو-باسيفيك، لما لها من ثقل استراتيجي واقتصادي بالنسبة لبريطانيا. وَعُدَّ الجوار الجغرافي الأوسع، الذي يشمل منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، أولوية ثالثة، نظراً لأن للتطورات فيها تأثير مباشر على بريطانيا. وحلَّت منطقة القطب الشمالي لدى حكومة سوناك محل منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي التي جعلتها حكومة جونسون رابع أولويات تحرُّكها الخارجي.

 

المرتكزات البريطانية في منطقة الشرق الأوسط

تنظر المملكة المتحدة إلى منطقة الشرق الأوسط بصفتها فرصةً وتهديداً في الوقت ذاته. فهي فرصة لأنها قد تدعم الاقتصاد البريطاني بقوة، فضلاً عن دور بعض الدول المركزية بها في تقويض التهديدات الأمنية التي تواجه المملكة. وهي أيضاً تهديد بفعل ما تمور به من صراعات ممتدة في سورية وليبيا واليمن والعراق والسودان، ومن علاقات متوترة على الدوام بين القوى الإقليمية الأكثر تأثيراً مثل إيران وإسرائيل، وما ينتُج عن ذلك من حالات فوضى وعدم استقرار وأزمات أمنية تُلقي بتأثيراتها على المملكة المتحدة في صورة تحديات وتهديدات من قبيل تنامي ظواهر الهجرة غير الشرعية، والإتجار بالبشر، والإرهاب.

 

وقد أكدت رؤية جونسون، وتحديث سوناك على هذه النظرة بشكل واضح. ومن هذا المنطلق، استندت المملكة المتحدة في تحديد توجهات سياستها في المنطقة إلى عدة ركائز أساسية، أهمها الآتي:

 

أولاً، دعم الاستقرار، وتقديم حلول سياسية للصراعات: تدعم بريطانيا إنهاء حالة الفوضى الإقليمية والصراعات المستعصية في المنطقة، بهدف ضمان الاستقرار السياسي والأمني، والحفاظ على مصالح بريطانيا بالمنطقة. ويعد هذا المبدأ امتداداً للسياسة البريطانية في المنطقة قبل البريكست، ما يعني أن الأخير لم يؤثر في هذا المبدأ، خاصةً أن الهدف النهائي واحد، وهو تأمين الاستقرار وتقويض التهديدات الأمنية المباشرة للأوضاع في الشرق الأوسط على الأمن الإقليمي الأوروبي عموماً.

 

ثانياً، مكافحة التهديدات الأمنية المتمثلة في الإرهاب والهجرة غير الشرعية: تظل بريطانيا عضواً نشطاً في التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، ونظراً لامتداد النطاق الزماني للصراعات بالمنطقة، تعمل المملكة المتحدة بشكل وثيق مع الدول المعنية بالمنطقة وذات النفوذ الإقليمي لتقويض التهديدات الأمنية العابرة للحدود التي تشكل خطراً كبيراً على المملكة المتحدة، وتحديداً مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. وعلى الرغم من أن هذه السياسة مستمرة أيضاً منذ قبل البريكست، فإن نطاق الحرية الذي أُتيح للمملكة المتحدة بعد البريكست من أجل تبنّي سياسات خاصة بها في التعامل مع ملف المهاجرين غير الشرعيين أصبح أكبر، الأمر الذي أتاح لها فرصة تطوير علاقات أوثق مع دول المنطقة، ومن ثمّ العمل على وقف هذه التهديدات قبل وصولها لبريطانيا.

 

ثالثاً، تعزيز الشراكات الاقتصادية: تستهدف سياسة لندن الخارجية تعزيز شراكاتها الاقتصادية والتجارية في منطقة الشرق الأوسط حتى من قبل البريكست، لكن بدا واضحاً، سواء في استراتيجية جونسون أو رؤية سوناك، مدى إلحاح هذه الحاجة الاقتصادية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بالتركيز على دول الخليج الغنية، والتي قد تُسهم في تعويض المملكة المتحدة عن خسائرها التجارية التي مُنيت بها بعد خروجها من الاتحاد التجاري الأوروبي، لذلك سعت بريطانيا مباشرة للدخول في مفاوضات اتفاق تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، خاصةً أن حجم التبادل التجاري الحالي بين الطرفين، بحسب المسؤولين البريطانيين، وصل إلى 61 مليار جنيه إسترليني، وتأمل المملكة في زيادته إلى تريليون جنيه إسترليني بحلول عام 2050.

 

بالإضافة إلى ذلك، أكد تحديث سوناك، أن المملكة المتحدة تبني أيضاً “شراكات طاقة محدثة” مع دول الخليج، خاصةً الإمارات وقطر والسعودية، للتعاون في مشاريع الطاقة المتجددة واحتجاز الكربون وتخزينه، إلى جانب تنمية التبادل التجاري والاستثمارات بين الطرفين. ومن النقاط اللافتة أن دول الخليج ذُكرت 7 مرات في تحديث سوناك، في حين ذُكرت منطقة الشرق الأوسط 3 مرات فقط، ما يعكس محورية دول الخليج في رؤية الحكومة البريطانية الحالية، ورغبتها في الاستفادة من قدراتها الاقتصادية وتعزيز التعاون معها.

 

رابعاً، حماية أمن إسرائيل: يمثل حماية أمن إسرائيل مرتكزاً أساسياً لسياسة بريطانيا في منطقة الشرق الأوسط، سواء قبل البريكست أو بعده، لكن يختلف المدى المرتبط بهذا الالتزام وفقاً لهوية رئيس الوزراء البريطاني، وخلفيته السياسية. فقد كان جونسون داعماً صريحاً لإسرائيل في المنطقة، وكذلك كانت ليز تراس امتداداً لسلفها بل أكثر تشدداً؛ إذ طرحت خطة نقل سفارة المملكة المتحدة في إسرائيل إلى القدس، فيما كان سوناك أكثر واقعية وعقلانية؛ لذا أعلن تراجعه عن خطة تراس، برغم دعمه الثابت لأمن إسرائيل، وتأكيده في بداية توليه الحكومة أن “القدس هي العاصمة التاريخية لإسرائيل”.

 

خامساً، ضمان عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً: إن التوصل لاتفاق جديد مع إيران يضمن عدم امتلاكها سلاحاً نووياً يعد هدفاً رئيساً لصانع القرار البريطاني، بهدف حماية أمن إسرائيل من ناحية، وحفاظاً على الاستقرار الإقليمي الأوسع من ناحية أخرى. ويعد هذا الموقف أحد الثوابت الأساسية لبريطانيا في المنطقة، لكن تحركاتها في هذا الإطار لا تجري بمعزل عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ولا يبدو أن هذا الموقف سيتغير لاحقاً، بل سيكون إلى حدٍ كبير متوافقاً مع الموقفين الأمريكي والأوروبي إزاء هذا الملف.

 

ومن واقع تحليل رؤيتي جونسون وسوناك للسياسة الخارجية البريطانية بعد البريكست، لُوحظ وجود نقطتين محوريتين في التوجه البريطاني نحو المنطقة:

 

1. المركزية الخليجية؛ حيث تمثل دول الخليج العربية بالنسبة للمملكة المتحدة أهمية استراتيجية، لعدة أسباب، من بينها: القدرات الاقتصادية والتجارية الضخمة التي تتمتع بها دول الخليج والتي يمكن أن تعزز الاقتصاد البريطاني بشكل ملحوظ؛ وتضخم النفوذ الإقليمي لدول الخليج وتنامي دورها الاستراتيجي في دعم الاستقرار وحل النزاعات المسلحة بالمنطقة؛ ورغبة لندن في الحفاظ على توافق دول الخليج مع الغرب، تخوفاً من اتجاههم نحو توثيق العلاقات مع روسيا والصين، على حساب الغرب ومصالحه.

 

2، الحليف الإسرائيلي: تظل إسرائيل أحد ثوابت السياسة البريطانية في المنطقة في جميع المراحل، من منطلق أنها حليف تقليدي وتاريخي لها، ومن ثم يحرص معظم سياسات بريطانيا في المنطقة على دعم إسرائيل وحمايتها، سواء في مواجهة حركات المقاومة الفلسطينية، أو في دعم “دفاعها عن نفسها” في مواجهة تهديدات إيران وحزب الله وغيرهما. ويعد سوناك من الداعمين لإسرائيل بقوة؛ فقد عارض وصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري، وأعلن التزامه بمحاربة “حركة مقاطعة إسرائيل” (BDS) من خلال حظرها من المؤسسات العامة عندما كان عضواً في حكومة جونسون.

 

الفرص والتحديات التي تطرحها السياسة البريطانية في المنطقة

مع الأخذ في الاعتبار التحولات العامة في السياسة الخارجية البريطانية بعد البريكست، وانعكاس ذلك على سياستها تجاه منطقة الشرق الأوسط، يمكن الإشارة إلى بعض الفرص والتحديات التي تطرحها هذه السياسة بالنسبة للمنطقة، على النحو الآتي:

 

أولاً: الفرص

1. تزايُد الاحتياج البريطاني لدول الخليج: إن حاجة المملكة المتحدة إلى دول الخليج بعد البريكست، وفي أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية وتدهور الأوضاع الاقتصادية الداخلية، يبدو أكبر من أي وقت مضى، ليس فقط لدعم الاقتصاد البريطاني، بل أيضاً لأن الاتفاق التجاري المنتظر من شأنه أن يعزز الوضع التجاري لبريطانيا مع منطقة الإندو-باسيفيك. وقد بدأت دول الخليج في استثمار هذا الاحتياج بالفعل، من قبيل توجه شركة مبادلة للاستثمار، أحد الصناديق السيادية لإمارة أبوظبي، نحو استثمار 10 مليارات جنيه إسترليني (12.2 مليار دولار) في مجالات الطاقة النظيفة وعلوم الحياة والتكنولوجيا بالمملكة المتحدة. وثمة توقعات بأن يؤدي تحرك دول مجلس التعاون الخليجي نحو الرقمنة في أعقاب أزمة كوفيد-19، إلى توفير فرصة هائلة للصناعة الرقمية المبتكرة في المملكة المتحدة.

 

كما يمكن استثمار هذه الفرصة أيضاً في الجانب العسكري عبر تطوير القدرات العسكرية الخليجية، وتعزيز الاستفادة من الخبرات والقدرات البريطانية، خاصةً في الجانب البحري، في ظل تصاعد التهديدات الإقليمية للممرات البحرية والتجارية. ومع أن المملكة المتحدة تعد ثاني أكبر مورِّد للأسلحة للسعودية وقطر بعد الولايات المتحدة، وهو ما تحاول لندن الحفاظ عليه، فإن المنافسة في هذا المجال قد تتصاعد مستقبلاً في ظل تعزيز روسيا والصين نفوذهما في المنطقة.

 

2. دعم الحلول السياسية للنزاعات في المنطقة: ما فتئت بريطانيا تعلن إنها تهدف إلى إيجاد حلول سياسية للنزاعات في المنطقة، سواء في اليمن أو سورية أو ليبيا أو السودان، ومن ثمّ يمكن لدول المنطقة، خاصةً مصر والأردن ودول الخليج، الاستفادة من هذه الرغبة البريطانية في إطار سياساتها الرامية لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين، وتسوية الأزمات والصراعات القائمة، بطريقة تعزز أمن المنطقة وازدهارها.

 

3. إنهاء مهددات الأمن القومي البريطاني: إن أكبر تحديين يواجهان بريطانيا في منطقة الشرق الأوسط هما الهجرة غير الشرعية والإرهاب؛ خاصةً أنهما كانا من المحفِّزات لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لإيجاد مقاربة خاصةً لمواجهة هاتين الظاهرتين. ومثل غيرها من الدول الأوروبية، تسعى بريطانيا للتعاون مع دول المنطقة لمعالجة هذه التحديات والسيطرة عليها؛ وهو ما يمكن توظيفه لخدمة مصالح دول المنطقة، من خلال تطوير العلاقات المتبادلة بين الجانبين أو عبر تحقيق منافع اقتصادية لدول المنطقة في المجالات الأكثر أهمية مثل التحول الأخضر، وتغير المناخ وغيره.

 

ثانياً: التحديات

1. تسييس قضايا حقوق الإنسان: على الرغم من أن الرؤية الحكومية البريطانية تُصوِّر الدور العالمي للمملكة المتحدة بأنها “قوة للخير” ورائدة في دعم حقوق الإنسان عالمياً، فإن استمرار تسييس العديد من القضايا الحقوقية واتخاذها غطاءً للنيل من سمعة دول المنطقة، من قبل بعض الجهات البريطانية الحكومية وغير الحكومية، قد يعرقل تطوير علاقات شاملة بين بريطانيا ودول المنطقة، بما فيها دول الخليج، وقد يضع عقبات أمام الصفقات التجارية المحتملة بين الطرفين.

 

2. تبايُن السياسات الاقتصادية الخليجية: من الممكن أن يؤدي التبايُن في السياسات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي إلى إضفاء بعض التعقيدات على إمكانية إبرام اتفاق تجارة حرة شامل بين المملكة المتحدة ودول المجلس. ومن ثمّ قد تلجأ بريطانيا لإبرام اتفاقيات منفردة مع كل دولة خليجية على حدة، وفقاً لأولوياتها التجارية والسياسية، الأمر الذي قد يؤثر في قوة الموقف الخليجي من الاتفاق مع بريطانيا، وقد يعطي لندن ميزة أكبر في التفاوض.

 

خلاصة واستنتاجات

تُحرِّك سياسة لندن تجاه منطقة الشرق الأوسط، حاجة بريطانيا الاستراتيجية لتوفير بدائل لاقتصادها المتراجع إثر خروجها من السوق الأوروبي الموحد، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والأوضاع الداخلية المتوترة في بريطانيا، فضلاً عن دعم لندن للاستقرار في المنطقة وتقويض تهديدات الإرهاب والهجرة غير الشرعية. وترى المملكة المتحدة في دول الخليج العربية شريكاً تجارياً وأمنياً ودبلوماسياً مهماً، في إطار مساعيها لتعزيز اقتصادها وتقوية تأثيرها الإقليمي، إلى جانب مواجهة مُهددات الأمن القومي البريطاني (بالتعاون مع دول إقليمية موثوقة مثل مصر والأردن).

 

ومع أن هذه السياسة البريطانية لا تخلو من تحديات، من قبيل الجدل المثار بين الحين والآخر حول قضايا حقوق الإنسان، وتبايُن الرؤى حول بعض القضايا الإقليمية، لكن سياسة لندن الخارجية تحمل في طياتها كذلك فرصاً كبيرة لدول المنطقة، وفي مقدمتها دول الخليج بصفتها من أهم القوى الفاعلة في الإقليم، إذ من الممكن توظيف الاحتياج البريطاني المتزايد لتطوير وتنويع اقتصادها لصالح تنمية مصالح دول المنطقة وتقوية قدراتها التفاوضية، والاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي البريطاني لتوفير احتياجات دول المنطقة وتطوير اقتصاداتها، وضمان استمرار دعمها العسكري لها. وفي المقابل، فإنها تتيح لبريطانيا إمكانية تقوية نفوذها في المنطقة، خاصةً في ظل خروج الولايات المتحدة منها، واشتداد التنافس مع قوى دولية كبرى مثل روسيا والصين.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/alsiyasa-alkharijia-albiritania-tujah-mintaqat-alsharq-al-awsat-bayn-alaistimraria-waltaghyir

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M