مشهد ضبابي: أي تداعيات لمحاولة اغتيال الكاظمي على الانسحاب الأمريكي من العراق؟

تعرض رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” في 7 نوفمبر الجاري لمحاولة اغتيال، بثلاث طائرات مسيرة وأسقطت منظومة الدفاع الجوي “سي – رام” التابعة للسفارة الأمريكية، طائرتين منها بينما تمكنت الثالثة من تنفيذ الاعتداء لكن أحدًا لم يصاب جراء هذا الهجوم، وعلى الرغم من عدم إعلان أي جهة تبنيها لهذه العملية إلا أن العديد من التقديرات والمؤشرات رجحت كون الحشد الشعبي – ومن ورائه إيران – هو المسؤول عن محاولة الاغتيال الفاشلة، بل إن تقارير أشارت إلى أن الطائرة المستخدمة في الهجوم إيرانية الصنع.

جاءت محاولة اغتيال الكاظمي في ظل سياق سياسي مضطرب يعيشه العراق، وذلك في ضوء رفض واعتراض بعض القوى السياسية الشيعية لنتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في 10 أكتوبر 2021، وهو الأمر الذي يعكس بعض المدلولات والرسائل المستهدفة من وراء هذا الهجوم، ومن هذه الرسائل أن الأذرع الإيرانية في العراق لن تقبل بأي تغيرات في المشهد السياسي، خصوصًا لو جاء هذا التغيير على حساب نفوذ وهيمنة القوى السياسية الشيعية، فضلًا عن نفوذ الميليشيات التابعة للحشد الشعبي، وهو المسار الذي تبناه “الكاظمي” حيث سعى إلى تحجيم نفوذ الحشد الشعبي والميليشيات المنضوية تحت لوائه.

لكن الدلالة الأهم التي عكستها محاولة اغتيال الكاظمي، هي أن الأوضاع السياسية والأمنية في العراق تتجه نحو المزيد من التوتر وهو الأمر الذي سيكون له بطبيعة الحال تداعيات محتملة على العديد من الملفات، بما في ذلك ملف سحب الولايات المتحدة لقواتها العسكرية القتالية من العراق.

أولاً- اعتبار واشنطن محاولة اغتيال الكاظمي “عمل إرهابي”:

أدانت واشنطن محاولة اغتيال الكاظمي ووصفتها بـ “العمل الإرهابي الواضح”، وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس في بيان له: “لقد شعرنا بالارتياح عندما علمنا أن رئيس الوزراء لم يُصب بأذى. من هذا العمل الإرهابي الواضح، الذي ندينه بشدة، والذي استهدف صميم الدولة العراقية”، وأضاف: “نحن على اتصال وثيق بقوات الأمن العراقية الموكلة بالحفاظ على سيادة العراق واستقلاله، وعرضنا المساعدة في التحقيق بهذا الهجوم”.

جدير بالذكر أن مثل هذه الهجمات تمثل مصدر قلق كبير بالنسبة للإدارة الأمريكية، فوفق تقارير أبلغت الإدارة الأمريكية “الكاظمي” والوفد المرافق له قبيل جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 23 يوليو 2021، بانزعاجها الشديد من عجز الجهات الأمنية العراقية وعدم قدرتها على تأمين المنطقة الخضراء والسفارة الأمريكية وكذلك القوات الأمريكية المنتشرة في عدد من القواعد العراقية، من هجمات الميليشيات الموالية لإيران، وتشير كافة المعطيات إلى أن الحكومة العراقية على الرغم من جهودها الكبيرة الرامية لاحتواء تهديد هذه الميليشيات، إلا أنها فشلت في ذلك بدليل استهداف رئيس الوزراء نفسه من قبلهم، وهو الأمر الذي يزيد من قلق واشنطن.

ثانيًا- أبعاد قرار الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق؟

أبلغت حكومة “الكاظمي” الإدارة الأمريكية في الأشهر الأخيرة، بقناعتها بأنه “ليست هناك حاجة إلى القوات الأمريكية العسكرية القتالية في العراق” والتي يبلغ عددها حوالي 2500 جندي، مع إشارة العديد من المسؤولين العراقيين في أكثر من مناسبة، ومنهم وزير الخارجية “فؤاد حسين” في لقاء مع قناة الحرة في يوليو الماضي، إلى أن “العراق لا يزال بحاجة إلى القوات الدولية، خصوصًا في مجالات التدريب والدعم اللوجستي والاستخباري”.

وبناءً عليه اتفق الجانبان العراقي والأمريكي في الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، والتي جرت في يوليو الماضي، على  جدولة الانسحاب الأمريكي من العراق فضلاً عن إنهاء العمليات القتالية للجيش الأمريكي بنهاية العام الحالي، وأكد الرئيس “جو بايدن” في لقاؤه بـ”الكاظمي” على أن الولايات المتحدة ستنهي بحلول نهاية العام “مهامها القتالية” في العراق لتباشر مرحلة جديدة من التعاون العسكري مع بغداد، كما أكد “بايدن” على أن مهام قوات التحالف الدولي سوف تتحول إلى مهام تدريبية واستشارية وأنه “لن يكون هناك أي قوات قتالية بعد نهاية العام الحالي”، وأشار “بايدن” إلى أن التعاون بين البلدين سوف يظل مستمرًا في ضوء اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 لعلاقة الصداقة والتعاون الأمريكية – العراقية.

ثالثًا- مقاربة الولايات المتحدة الأمريكية لما بعد الانسحاب:

يأتي الانسحاب الأمريكي من العراق في ضوء التحول الاستراتيجي بالنسبة لأولويات وزارة الدفاع الأمريكية، حيث يرى “البنتاجون” أن الأولوية في المرحلة المقبلة تتمثل في تعزيز الحضور العسكري الأمريكي في المحيطين الهادئ والهندي، لمواجهة “التهديد الصيني”، لكن هذا الانسحاب والإطار الاستراتيجي الحاكم له، يطرح العديد من التساؤلات حول مقاربة الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الانسحاب.

في هذا السياق تذهب العديد من التقديرات إلى أن المقاربة الأمريكية في مرحلة ما بعد الانسحاب سوف تركز كما تم الإعلان عنه، على تقديم التدريبات والدعم اللوجستي والاستخباري للقوات العراقية، مع عقد اتفاق مع حكومة “الكاظمي” يضمن تحجيم أنشطة هذه الميليشيات خصوصًا الأنشطة المناهضة للولايات المتحدة ومصالحها في العراق، على أن تقوم الحكومة العراقية بتحقيق ذلك بكافة السبل سواء من خلال التفاوض المباشر مع هذه الميليشيات أو عبر وساطة من جهات عراقية سياسية للتأثير فيها، أو عبر الأساليب الدبلوماسية من خلال التواصل مع إيران.

رابعًا: تداعيات محاولة اغتيال الكاظمي على الانسحاب الأمريكي:

سوف يكون لمحاولة اغتيال الكاظمي العديد من التداعيات على المستوى الداخلي، خصوصًا حال رغبة الحكومة العراقية وتوجهها نحو مواجهة الجهة أو الجهات المسؤولة عن الهجوم، وبطبيعة الحال قد تمتد هذه التداعيات إلى ملف الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، وذلك في ضوء محددين أساسيين، الأول، هو كون العراق الساحة الرئيسية للصراع الأمريكي – الإيراني، والثاني، هو الارتدادات المحتملة للانسحاب الأمريكي على دور واشنطن في المنطقة بشكل عام.

وفي ضوء ما سبق، يبدو أننا أمام بعض الفرضيات والسيناريوهات المحتملة، وذلك على النحو التالي:

1- سحب واشنطن بالفعل للقوات القتالية الخاصة بها من العراق، في ضوء الخسائر الكبيرة التي تتكبدها الولايات المتحدة إثر التوترات السياسية والأمنية في العراق، وتنامي تهديدات الميليشيات الولائية، فضلاً عن تغير استراتيجية وزارة الدفاع الأمريكية والتي ترى أولوية مواجهة التهديد الصيني وتعزيز الحضور العسكري في المحيطين الهادئ والهندي، وكانت واشنطن بالفعل قد هددت قبيل الجولة الرابعة للحوار الاستراتيجي الأمريكي – العراقي بأن الجيش الأمريكي قد يتجه للانسحاب بصورة كاملة من العراق، ما لم توفر الأخيرة حماية أفضل وتكبح جماح ميليشيات طهران، ومن المرجح أن يؤدي هذا السيناريو إلى حالة فراغ أمني كبيرة قد تستغلها من جانب الميليشيات الولائية، ومن جانب آخر تنظيم داعش الذي بدأ يعاود نشاطه بشكل كبير في العراق، وهي الأمور التي تهدد في مجملها مستقبل العملية السياسية في العراق.

2- في المقابل، تتصاعد التوقعات القائلة بأن محاولة اغتيال الكاظمي وتنامي تهديدات الميليشيات المسلحة، فضلًا عن عودة نشاط تنظيم داعش، هي اعتبارات ستمثل ذريعة للولايات المتحدة من أجل الإبقاء على قواتها في العراق أو على الأقل عدم سحبها بالكامل مع تبني استراتيجيات جديدة تقلل من حجم التكلفة الأمريكية سواء على المستوى المالي أو البشري، مع تبرير ذلك ووضعه في أطر “مكافحة الإرهاب” والأوضاع الأمنية المضطربة في العراق، خصوصًا وأن هذا التوجه يتفق مع “إسرائيل” رغبة الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، إذ ترى في الحضور الأمريكي في العراق أحد ضمانات عدم السيطرة الإيرانية الكاملة على العراق، وأحد سبل تحقيق المزيد من الحضور على الساحة العراقية.

ختامًا يمكن القول، إن المؤشرات والسياق السياسي والأمني في العراق يشير بأن الأوضاع تتجه نحو المزيد من التأزم والتوتر، فالولايات المتحدة حال قامت بالفعل بسحب قواتها القتالية، فسوف يخلف هذا القرار فراغًا أمنيًا سوف تسعى الميليشيات الموالية لإيران والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش إلى استغلاله، وحال عدم انسحاب الولايات المتحدة أو إبقاؤها قوات قتالية بشكل جزئي، سوف ترغب الميليشيات الولائية في التصعيد على المستوى الأمني العملياتي وكذلك السياسي، للضغط على الولايات المتحدة والحكومة العراقية من أجل تنفيذ قرار الانسحاب.

 

.

رابط المصدر:

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M