مصر وقطر: هياكل اقتصادية متكاملة توفر حلولًا للتحديات

أحمد بيومي

 

منذ استقلالها في عام 1971، سارت قطر نحو أن تصبح قوة اقتصادية وسياسية وثقافية مؤثرة في الشرق الأوسط. تتسم قطر بصغر حجم سكانها، وسوق استهلاكي منخفض يدفع شركاتها للتوجه نحو البحث عن سوق للتصدير، ويعزز من ذلك الأمر جغرافيا الموقع لدولة قطر، حيث إنها تقع على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية، وتمتد لمسافة 160 كم تقريبًا في الخليج، فهي محاطة بالكامل تقريبًا بمياه الخليج، ذلك الخليج الذي توجد به ثروة قطر الهيدروكربونية الذي يسمى حقل الشمال الذي يقع حوالي 60 % منه في المياه الإقليمية القطرية، وتشاركه مع إيران، حيث يتم تسميته في إيران بحقل “بارس” الجنوبي ويخضع للسيطرة الإيرانية فيما يخصها من الحقل، يحيط بقطر عدد من الجزر، يمكننا الإشارة إلى أهمها وهي جزيرة “حالول” التي تعمل كمحطة لتحميل وتخزين لحقوق النفط البحرية المجاورة.

يتمركز معظم سكانها في الدوحة بحوالي 41.7 %، بلديه الريان والتي تحتل الترتيب الثاني من حيث المساحة في قطر، وتأتي في الترتيب الثالث بلدية “الوكرة” التي تعد موطننا لحوالي 265 ألف نسمة، ثم الخور بحوالي 140 ألف نسمة، تبرز أهمية تلك البلديات في كونها قريبه من مدينة “مسيعيد الصناعية” التي تعد مركزًا لشركات قطر العملاقة مثل قطر للأسمدة، وقطر للبتروكيماويات، وقطر لإضافات الوقود، وقطر ستيل. أما مدينة الخور فهي تقع بالقرب من مدينة “رأس لفان” التي تعد مركز لقطاع النفط والغاز في قطر وموطن لعمالقة الصناعة مثل قطر غاز ورأس غاز، وتشكل تلك القطاعات حوالي 72.7 % من نشاط التعدين، و26.8 من نشاط التصنيع الذي في معظمة صناعات البتروكيماويات، و0.5 % قطاع إنتاج الكهرباء.

تمتلك الحكومة إما بشكل مباشر أو غير مباشر حصصًا مسيطرة في العديد من الشركات الصناعية الكبرى، مثل شركة قطر للصناعات التحويلية التي تعمل في مجال إنتاج الكيماويات والبتروكيماويات ومواد البناء وتجهيز الأغذية، وشركة صناعات قطر التي تساهم في قطاعات البتروكيماويات والصلب والأسمدة، وشركة مسيعيد للبتروكيماويات التي تقع على بعد 40 كم جنوب الدوحة وتضم مصانع بتروكيماويات وأسمدة ومواد بناء أولية فضلًا عن مصافي النفط، والتي تعتبر شركة قابضة لثلاث من شركات البتروكيماويات. من جانب آخر، تدير شركة قطر للطاقة مدينتان صناعيتان تمثل نسبة كبيرة من النشاط الصناعي العام للبلاد، حيث تعتبر مدينة رأس لفان الصناعية التي تقع على بعد 80 كم شمال الدوحة، جوهر العملية الصناعية في قطر، حيث تضم أكبر منشأة لتصدير الغاز الطبيعي المسال في العالم، وشركة رأس لفان للهيليوم التي تعد الأكبر في إنتاج الهيليوم في العالم.

نمو متسارع

بشرت بداية القرن الحادي والعشرين بفترة من النمو الصناعي السريع لقطر، ذلك النمو يأتي مدعومًا بثرواتها الوفيرة من النفط والغاز، إذ تمتلك قطر ثالث أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم وتتنافس مع الولايات المتحدة في حصولها على المركز الأول كأكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث إن الاتجاه نحو إنشاء مجمعات صناعية ومناطق حرة وموانئ تحيط بالدوحة وتمتد على طول الساحل الشرقي لقطر بالشكل الذي يدعم النظام البيئي واللوجيستي، وجذبت تلك المناطق عددًا كبيرًا من الشركات الدولية العاملة والتي حضرت للاستفادة من توجه الدولة نحو دعم القطاع الخاص، وقد ساهمت الفترة من 2017 وحتى 2021 والتي اتسمت بتجهيز البنية التحتية بها بشكل غير مباشر لتكون أكثر قدرة للتعامل مع جائحة الكورونا.

جاء كل ذلك التحول في النشاط الاقتصادي القطري في إطار رؤية قطر الوطنية 2030 (QNV) والتي تم إصدارها في عام 2008، واستراتيجية التنمية الوطنية الثانية 2018-22 والتي مثلت الإطار العام للاستراتيجية الشاملة في توجيه التنمية الاقتصادية، حيث رسمت تلك الرؤية اقتصادًا حديثًا ومستدامًا تدعمه الموارد الطبيعية، وتدفعه الصناعات البتروكيماوية المتقدمة تقنيًا، تتمثل الأهداف الأساسية لتلك الاستراتيجية في تعزيز التنسيق المؤسسي، وتطوير مناطق ومجموعات الأعمال، وجذب الاستثمار الأجنبي والمحلي، وتشجيع ريادة الأعمال، ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (SMEs) على القيام بدور أكثر بروزًا في الاقتصاد، وتعزيز التجارة الدولية، والترويج. الابتكار وتعزيز رأس المال البشري المحلي وجذب المواهب الأجنبية إلى قطاع التصنيع، وتشرف على تنفيذها وزارة التجارة والصناعة.

ظروف موائمة

لطالما كان احتياطي قطر من النفط والغاز المصدر الأول لتنمية العملية الصناعية، حيث إن معظم القطاع الصناعي القطري هو صناعات تعتمد على الهيدروكربونات كمدخلات إنتاج أساسية. وحيث إن العالم حاليًا يتجه نحو الصناعات الأقل ضررا للبيئة فقد خدم ذلك البنية التحتية الصناعية المعتمدة بالأساس على الغاز الطبيعي الذي ينبعث منه غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل أقل من النفط، تم استغلال تلك الظروف في إعلان قطر لخطط نحو زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن في عام 2019 إلى 126 مليون طن بحلول عام 2027، وزيادة الإنتاج الموجة للتصدير بشكل أساسي في ظل صغر حجم سوق الطلب محليًا نظرًا لانخفاض عدد السكان. وللتوافق مع ذلك الاتجاه (التحول نحو التنمية المستدامة) فقد غيرت شركة قطر للبترول الاسم التجاري لها لتصبح قطر للطاقة في أكتوبر 2021، للتعبير عن أهدافها الجديدة للتحول نحو إنتاج متنوع للطاقة بشكل أوسع ونشر تكنولوجيا الطاقة الصديقة للبيئة

تحدٍ وفرصة

تعد طول سلاسل التوريد عالميا أحد التحديات الرئيسية التي تواجه عملية التصنيع بما في ذلك توزيع المنتجات النهائية، حيث وصلت تكاليف الشحن بالفعل إلى مستويات مرتفعة بسبب الاختناقات المرتبطة بالوباء، وهي أحد أهم التحديات الرئيسية التي تعيق من جهود الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميًا في صناعة الكيماويات والبتروكيماويات الأوسع على مستوى العالم. مع وجود نزعة تصديرية قوية لدول مجلس التعاون الخليجي ومن ضمنها قطر إلى خارج المنطقة، تدرس الشركات المشاركة في هذه التجارة أفضل السبل لتحسين طرق وأساطيل الشحن لتقليل التأثير البيئي لسلاسل التوريد. وباتت أسئلة تلوح في الأفق حول كيفية استبدال الأساطيل القديمة المستخدمة في نقل منتجات البتروكيماويات بسبب عدم اليقين بشأن الوقود إلى جانب زيادة الأسعار خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في أوائل عام 2022.

وعليه، يطرح ضرورة التحول نحو الإنتاج في موقع استراتيجي قريب من الأسواق العالمية فرصة كبيرة لشركات البتروكيماويات التي تتطلع إلى تقليل انبعاثات النطاق الثالث على مستوى العالم. فبالنسبة للشركات الموجودة في أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأقصى، فإن إضافة منتجين من الشرق الأوسط إلى سلاسل التوريد يمكن أن يساعد في تقليل الانبعاثات من الشحن لمسافات طويلة، وهنا تظهر فرص قطاع الطاقة المصري بوضوح.

قطاع الطاقة المصري

أظهر قطاع الطاقة في مصر مرونة كبيرة خلال أزمة كوفيد 19، حيث سمح الاستثمار الضخم في صناعة الطاقة والاكتشافات الغازية الجديدة، وصناعة التكرير في وضع مصر في مكانة متميزة للاستفادة من النشاط الاقتصادي العالمي، فمصر أصبحت ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في قارة أفريقيا، فوفقا لبيانات عام 2019/20 ساهم قطاع النفط والغاز في مصر بنسبة 24 % في الناتج المحلي الإجمالي، مع وجود معدل نمو بالقطاع بحوالي 25 % في عام 2020 بفعل جهود الاكتفاء الذاتي من الغاز، استثمرت الوكالات الحكومية وشركات النفط الدولية بكثافة في الهيدروكربونات المصرية في السنوات الأخيرة، حيث تلقت الصناعة تمويلًا بنحو 74 مليار دولار بين السنة المالية 2014/2015 والسنة المالية 2019/20، حيث تعمل أكثر من 60 شركة نفط دولية حاليًا في مصر، بما في ذلك BP وChevron وExxonMobil وEni وRoyal Dutch Shell. بالإضافة إلى احتياطاتها، يوفر موقع مصر ميزة إستراتيجية في تجارة الطاقة، حيث تعد قناة السويس طريق عبور رئيسي بين أوروبا وآسيا، مما يساعد مصر على جذب الاستثمار الخاص. علاوة على ذلك، يمر خط أنابيب السويس- البحر الأبيض المتوسط (خط أنابيب سوميد) عبر مصر، وينقل النفط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.

خلال السنوات الأخيرة ساهم الاهتمام الحكومي الواسع في جعل قطاع الهيدروكربونات أكثر قدرة على المنافسة، حيث ساهم برنامج تحديث القطاع الذي تقوم به الحكومة، بما في ذلك إطلاق بوابة مصر للتنقيب عن النفط للمناقصات الرقمية، قد خلق بيئة استثمارية إيجابية لشركات النفط العالمية، تتوقع شركة ” لموردور إنتليجنس” أن يتوسع نمو سوق التنقيب عن النفط والغاز في مصر بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ 8٪ بين عامي 2019 و2027، تحتل البلاد المرتبة 16 في العالم من حيث احتياطي الغاز الطبيعي، بحوالي 2.1 تريليون متر مكعب. هذا يضع مصر في وضع جيد لمواصلة تطوير القطاع، حيث إن الطلب العالمي على الغاز مرتفع. بلغ إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي 69.2 مليار متر مكعب في عام 2021/22 مقابل 41.6 مليار متر مكعب في عام 2015/16، ذهب حوالي 63٪ من الحجم إلى الأسواق الآسيوية – الصين بالدرجة الأولى – وذهب 31٪ إلى الأسواق الأوروبية، بما في ذلك تركيا. يعود سبب الارتفاع في نشاط الإنتاج والتصدير إلى حد كبير إلى إعادة افتتاح منشأة دمياط سيجاس سعة 5 ملايين طن في السنة في فبراير 2021 بعد توقف دام ثماني سنوات. يتم تشغيل المصنع من قبل شركة إيني الإيطالية (من المتوقع أن تتغير تلك البيانات في عام 2022 لتحصل أوروبا على النصيب الأكبر خاصة مع وجود أزمة الطاقة الأوروبية في عام 2022).

أما عن سوق المنتجات البتروكيماويات أو البترول المكرر “Downstream” من المتوقع أن ينمو بما يزيد عن 5% في الأعوام بين 2021/26، حيث تجاوز إنتاج مصافي مصر 600 ألف برميل يوميًا للمرة الأولى، مما يجعلها أكبر دولة مصفاة للنفط في إفريقيا. كان هناك اهتمام متزايد بصناعة التكرير جنبًا إلى جنب مع تطوير قطاع التنقيب عن الهيدروكربونات. في عام 2018، وقعت شركة الهندسة للصناعات البترولية والعملية المملوكة للدولة (ENPPI) اتفاقية مع شركة أسيوط الوطنية لمعالجة النفط وشركة تكنيب الإيطالية لبناء مصفاة بقيمة 1.9 مليار دولار. ومن المتوقع أن تكون لديها القدرة على معالجة 2.5 مليون طن من زيت الوقود الثقيل المازوت سنويًا لإنتاج 400 ألف طن من النافثا للبنزين، و1.6 مليون طن من الديزل، و330 ألف طن من الكبريت، و100 ألف طن من البوتان.

وضعت مصر مستهدف لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية المكررة في عام 2023، بدأت في أكتوبر من عام 2021 بتوقيع اتفاقية بين شركة إنبي وبتروجيت وشركة أسيوط لتكرير النفط مذكرة تفاهم بقيمة 379 مليون دولار لأنشاء وحدة التقطير الجوي في مصفاة أسيوط التي ستزيد الطاقة الإنتاجية إلى 5 ملايين طن من النفط الخام. وفي فبراير من عام 2022 عقدت شركة أرامكو السعودية اتفاقية لتوريد 100 ألف برميل يوميا من النفط الخام إلى شركة البحر الأحمر الوطنية للتكرير وتكرير البتروكيماويات، والتي من المقرر أن تبدأ عملياتها بنهاية عام 2024، وقد شهدت أيضا مصفاة ميدور عملياتها التجريبية في مايو 2022 مما سيعزز قدرة المنشأة إلى 160 ألف برميل يوميًا.

يبدو أن ملامح هياكل الاقتصاد الجديد لمصر وقطر متكاملة، فقطر تسعى للتوسع في إنتاج وتصدير منتجاتها الهيدروكربونية ومصر كذلك، تواجه شركات التكرير القطرية تحديات في الوفاء بمتطلبات المناخ في ظل وجود أزمات في سلاسل التوريد عالميا وبحثها عن خطوط أقصر للشحن والنقل ومصر توفر حلولًا لذلك التحدي بفعل موقعها الجغرافي والبنية التحتية الواسعة لقطاع البتروكيماويات حقول الغاز الوفيرة حاليًا بمصر، خاصة بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومن ثم فإن التعاون بين البلدين في ذلك المجال سيعزز ويضيف لعمق العلاقات بينهما.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/31812/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M