هل تتّجه إسرائيل إلى عسكرة “الحوسبة الكمومية” في مواجهة إيران؟

شادي محسن

 

دخلت الهجمات السيبرانية ضمن أدوات حرب الظل التي تصف الحالة الصراعية بين إسرائيل وإيران، كما اتفقت إسرائيل والولايات المتحدة في إعلان القدس (يوليو 2022) على عقد حوار استراتيجي بين الجانبين في قطاع التكنولوجيا الحوسبية الكمومية quantum computing.

يبقى السؤال المطروح: هل تنفذ إسرائيل تطبيقًا واقعيًا لعسكرة المجال التكنولوجي الجديد وهو الحوسبة الكمومية؟ ويُعنَى بكلمة “واقعي” أي الفرص والتحديات التي تقع على إسرائيل في المجال الجديد؟

الصورة العامة

تعد الحوسبة الكمومية ثورة جديدة في قوانين الميكانيكا الكمية التي تستهدف حل جميع المشاكل التي تطرأ على معالجة البيانات في الحواسيب التقليدية، وتعمل على إدخال نوع جديد من المعالجة السريعة. منذ ثلاثة عقود كانت الحوسبة الكمومية ضربًا من الافتراض والتخيل، حتى بدأت بعض الدول في تصنيع حواسيب كمومية.

تستهدف تكنولوجيا الكمومية: (أ) تقليل أكبر قدر من هوامش الخطأ التي يمكن أن تطرأ على المعادلات الحسابية، للوصول إلى دقة متناهية في تحديد الهدف، خاصة في التطبيقات التكنولوجية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. (ب) خلق شيفرات غاية في التعقيد على البيانات الموصوفة بالسرية والتي تتعلق بالأمن القومي على سبيل المثال. (ج) فك سريع للشيفرات التقليدية التي تعتمدها الحواسيب التقليدية.

بعد توقيع إعلان القدس الذي يناقش في أحد اتفاقاته المتعدد تعاونًا إسرائيليًا أمريكيًا في تعزيز تكنولوجيا الحوسبة الكمومية (15 يوليو 2022)، أعلنت هيئة الابتكار الإسرائيلية تأسيس مركز وطني للحوسبة الكمومية بقيمة باستثمارات تبلغ ما يقرب من 30 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات، واعتبار شركة الصناعات الدفاعية الإسرائيلي “ألبيت سيستمز” شريكًا استراتيجيًا في المشروع. وجدير بالإشارة أن ألبيت هي شركة متخصصة في تصنيع الأسلحة الجوية مثل الدرونز.

قال رئيس هيئة الابتكار الإسرائيلية “عامي أبيلباوم” إن الحوسبة الكمومية تعد “تكنولوجيا تخريبية” أي ستدفع الحكومات لاستبدال كافة التكنولوجيا الحالية والتقليدية بالتكنولوجيا الحديثة المذكورة، “حتى في مجال الأمن السيبراني”. وأضاف: “والهدف هو أن تنشئ إسرائيل بنية تحتية ملائمة للتكنولوجيا الحديثة في غضون عام إلى عام ونصف العام”.

الاتجاه الإسرائيلي لعسكرة التكنولوجيا الجديدة

أعلن مسئول في الخزانة الأمريكية (26 أغسطس 2022) أن إسرائيل والولايات المتحدة تعتزمان توقيع اتفاقية جديدة لتعزيز الأمن السيبراني ضد الهجمات التي تتبناها روسيا والصين وإيران على البنية التحتية الحيوية للجانبين.

في هذا السياق، أجرى “جابي سيبوني” كبير مستشاري المنظومات الأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، أن إسرائيل تطور استراتيجية جديدة في مجال الأمن السيبراني تعتمد فيها على تكنولوجيا الحوسبة الكمومية.

وقال: “ليس سرًا أن هناك دولًا تستثمر في تطوير الحوسبة الكمومية لاستخدامات عسكرية دفاعية وهجومية، وإسرائيل ليست بعيدة عن هذا المضمار”.

وأضاف: “ليس على إسرائيل أن تخشى فقط البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي الإيراني الذي يمثل تهديدًا وجوديًا بلا شك على إسرائيل، ولكن عليها أن تقلق كذلك من البرنامج السيبراني الذي تسعى إيران لتطويره واستخدامه عسكريًا ضد إسرائيل على المستويين الحكومي والمدني”.

علاوة على أن القراءات الاستراتيجية الإسرائيلية تشير إلى أن دمج الحوسبة الكمومية في مجال الأمن السيبراني الإسرائيلي سيمنحها ميزة نوعية في المجال العسكري والحرب الإلكترونية في ضرب مواقع تابعة لدول معادية، والعمل الاستخباراتي في مجال التجسس وجمع المعلومات.

صنّفَ رئيس هيئة الابتكار الإسرائيلية تكنولوجيا الحوسبة الكمومية بأنها تكنولوجيا ذات استخدام ضار، في هذا الصدد كان قد نشر مركز “موريشت موديعين” التابع للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية دراسة في 2019 يذكر فيها أن التكنولوجيات ذات الاستخدام الضار مثل الحوسبة الكمومية ستنقل العمل الاستخباراتي في العالم وفي إسرائيل إلى مرحلة متقدمة في عمليات الاختراق ضد الدول الهدف.

فرص ومكتسبات إسرائيلية

تمتلك إسرائيل مجموعة من الفرص التي تمنحها محفزًا لسرعة إدماجها في مجال الحوسبة الكمومية، يمكن توضيحها فيما يلي:

أولًا- مبادرة حكومية في الحوسبة الكمومية:

دشنت إسرائيل المبادرة في 2018 بقيمة 360 مليون دولار، وعليه أقيم مركز الأبحاث والتطوير في مجال الكمومية بقيمة 29 مليون دولار كما هو مذكور سلفًا. سيخدم المركز مجتمع الحوسبة الكمومية في الصناعة والأوساط الأكاديمية الإسرائيلية من خلال إنشاء كمبيوتر كمي عالمي مكدس لإجراء العمليات الحسابية مباشرة مع خيار مستقبلي للوصول إلى السحابات الإلكترونية.

حسب الاتفاق الموقع لإقامة المركز، ستكون شركة ألبيت سيستمز الإسرائيلية شريكًا استراتيجيًا في المشروع، وجزءًا من المجلس الاستشاري للمركز بهدف قيادة التصميمات الإلكترونية الخاصة بالقطاع الحكومي وأنظمة الدعم للجيش الإسرائيلي.

كما نجح مطورون إسرائيليون في تصنيع أول حاسوب كمومي في إسرائيل، في حين استثمرت وزارة الدفاع الإسرائيلية مشروعًا لبناء حاسوب كمومي عسكري بقيمة 62 مليون دولار (فبراير 2022).

ثانيًا- إسرائيل عضوًا في المجتمع الأمريكي الكمومي:

على مدار عدة أشهر، حاولت إسرائيل إقناع الولايات المتحدة بالموافقة على الانضمام إلى المنتدى الأمريكي العالمي “كونسرتيوم التنمية الكمية” وهو كيان يحدد السياسات التنظيمية للولايات المتحدة في مجال الحوسبة الكمومية، وليس باليسير أمام الدول الانضمام إلى المنتدى، إذ يقتصر على الشركات والأكاديميات والكيانات الحكومية الأمريكية فقط. وحسب ما ورد ذكره في الموقع الرسمي للمنتدى، يستطيع العضو في المنتدى الحصول على الاستثمار المالي المناسب لتمويل مشاريعه التطويرية في المجال الكمومي.

تحديات هيكلية

تواجه إسرائيل ومعها الولايات المتحدة ذاتها تحديات هيكلية في مجال الحوسبة الكمومية، كانت مؤسسة راند أشارت إلى بعض منها وأوضحت أن الولايات المتحدة تفتقر إلى استراتيجية شاملة لمواجهة التحديات التي من بينها افتقارها للبنية التحتية المناسبة.

ولكن على المستوى الإسرائيلي، تتبدى مجموعة من التحديات، أهمها:

أولًا- البنية التحتية:

قال الشريك المؤسس لمركز الحوسبة الكمومية “إيتامار سيفان” رئيس شركة كوانتم ماشينز، إن الهندسة المعمارية للبنية التحتية للحوسبة الكمومية تختلف عن أي بنية تحتية تكنولوجية أخرى. وأضاف: “الهدف هو منح الشركات الإسرائيلية الوصول إلى التقنيات والخدمات الكمومية، وإقامة البنية التحتية الملائمة لتعميق فرص الصناعات الكمومية”.

ثانيًا- التقنيات الأولية في المجال الكمومي:

أشار رئيس مبادرة الكم الإسرائيلية “تال ديفيد” إلى فرض الولايات المتحدة حظرًا على تصدير تقنيات الكم المختلفة إلى الصين وأن الصينيين بصدد الرد بالمثل.

يترافق التصريح مع اتجاه داخل الاتحاد الأوروبي للحد من صادرات التكنولوجيا الكمية إلى غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مما قد يؤثر على إسرائيل. ولا زالت إسرائيل تحاول إقناع الاتحاد الأوروبي بالتعاون في المجال الكمومي.

التزمت إسرائيل أمام الولايات المتحدة بعدم التعاون التكنولوجي مع الصين، رغم أن الصين تتفوق على الولايات المتحدة في هذا المجال على المستويين التقني وقطاع البنية التحتية الكمومية. لذلك يأتي التقدير بأن إسرائيل ستجد نفسها أمام حرج كبير في تحييد التعاون مع الصين بشكل تام، أقله على مستوى البنية التحتية.

ثالثًا- ضعف قدرة إسرائيل التمويلية:

بالنظر إلى الأرقام المذكورة في المشروعات الإسرائيلية في مجال تطوير الحوسبة الكمومية يتبين أنها تمويلات ضعيفة بالمقارنة مع ما تسهم به الولايات المتحدة والصين على سبيل المثال. أما على المستوى الإقليمي فتدخل الإمارات والسعودية هذا المجال باستثمارات كبيرة.

وبالقياس على طبيعة الاتفاقات الموقعة بين إسرائيل والإمارات بعد الاتفاق الإبراهيمي، يتبين أن الإمارات أعلنت عن إنشاء صندوق استثمار بقيمة 10 مليارات دولار لتمويل الشركات الناشئة الإسرائيلية في مجال الحوسبة الكمومية. وكان سفير الإمارات المعين مؤخرًا في إسرائيل “محمد آل خاجة”، منح قوة دافعة في العديد من المبادرات التقنية بين إسرائيل والإمارات. إذ دعّم مركز “ستارت أب نيشن” في إسرائيل، وهو مؤسسة تكنولوجية رائدة غير ربحية متخصصة في مجال الكمومية، عبر إنشاء فريق عمل مشترك لتعزيز التعاون بين البلدين في مجال التكنولوجيا والابتكار.

ختامًا، يمكن القول إن التطور الذي يلحق بسلاح الحرب الإلكترونية الإيراني وتبنيه لهجمات سيبرانية ضد إسرائيل، منح الأخيرة مجالًا حيويًا لتعزيز الارتباط مع دول الخليج والاستثمار في مجال الحوسبة الكمومية. يعززه في ذلك تبني إسرائيل مقتربًا عسكريًا للكمومية واستخدامه كسلاح ردع ضد إيران، بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول خليجية محتملة مثل الإمارات.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/21031/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M