وجوه حزب الله في الخليج.. قراءة في أحدث تصنيفات مركز استهداف تمويل الإرهاب

نرمين سعيد

 

في خطوة تتزامن مع مرور خمس سنوات على انطلاق مركز استهداف تمويل الإرهاب، خرج المركز بمجموعة تصنيفات جديدة شملت أفرادًا وكيانات لها علاقة بالأنشطة الإرهابية، وضمت القائمة 16 عشر اسمًا لكيانات وأفراد لهم صلة بالأنشطة الإرهابية، وشملت 3 أسماء تنتمي إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وضمت كذلك العديد من الأسماء والشركات التابعة لتنظيمي داعش وبوكو حرام، وميليشيا سرايا الأشتر والمختار وهي الميليشيات التابعة لإيران والتي تتخذ من البحرين مقرًا لها وتعتمد على الدعم الأيديولوجي واللوجيستي الذي يقدمه الحرس الثوري الإيراني.

وينظر إلى هذا التصنيف الذي أعلنت عنه رئاسة أمن الدولة في السعودية بوصفه مؤشرًا على التفاهم بين واشنطن والرياض. ويشار إلى نشاط المركز الذي تم إنشاؤه في عام 2017 بوصفه مثالًا يحتذى في فك طلاسم العديد من الألغاز الخاصة بنمط تمويل العمليات الإرهابية العمودي منها والأفقي.

مع الأخذ بالحسبان هنا كم التعقيدات والتشابكات التي تشوب عمل التنظيمات الإرهابية بدءًا من التمويل وحتى الوصول لتنفيذ العمليات على أرض الواقع، فقد أصبح هناك فصل بين الهياكل التنظيمية والتنفيذية مع اختلاف في الأفكار والأساليب والأيديولوجيات. وما يهمنا في هذا التقرير هو الكشف عن دلالات وضع المركز لشخصيات تنتمي إلى حزب الله والحرس الثوري الإيراني على قائمته الجديدة التي ضمت 16 اسمًا، وما يعكسه ذلك من طبيعة العلاقات بين دول الخليج من جهة ممثلة في مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة وحزب الله الممول من إيران من جهة أخرى.

خصوصًا أن التصنيف الجديد يأتي في وقت يرجح فيه تيار كبير تراجع تأثير حزب الله في الداخل اللبناني، خصوصًا بعد نتائج انتخابات 15 مايو الماضي، حيث خسر التحالف الذي يضم حزب الله الأغلبية التي كان يتمتع بها في البرلمانات السابقة على خلفية حادثة مرفأ بيروت وما شاب التحقيق من ضغط كبير من حزب الله، وكذلك تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وتراجع العلاقات مع دول الخليج، ووجهة النظر التي ترى أن حزب الله هو المسؤول عن أغلب تلك المشاكل والأزمات.

وها هو يرجع الآن إلى اللعب على وتر عرقلة مسألة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وكأنه الآمر الناهي في الدولة اللبنانية في محاولات بائسة تضر بالدولة اللبنانية والهدف الأول والأخير منها هو إفراز حالة من التشويش السياسي لاستبعاد مسألة تسليح الحزب من أي نقاش. وفي حال وجدت تل أبيب أن مسألة تشكيل حكومة لبنانية توقع على اتفاق ترسيم حدود أمر بعيد المنال فإنها ستذهب للتنقيب بدون اتفاق.

ونبقى في نفس السياق، فينظر إلى تراجع الحزب بوصفه مؤشرًا على عودة التقارب مع الخليج؛ ذلك أن سلاح حزب الله والتمويل المقدم له من قبل إيران شق أساسي في التباعد بين دول الخليج العربي ولبنان، ليس لأن العواصم الخليجية تكترث كثيرًا لسيطرة الحزب على مفاصل الدولة، ولكن بشكل أساسي لأن التمويل المقدم للحزب من قبل طهران يذهب مباشرة في خانة دعم الحوثي بالمال والسلاح والتدريب، ولا شك هنا أن حرب اليمن هي أكثر ما يؤرق عواصم الخليج في الوقت الحالي. وإذا شئنا التفصيل لمستويات التباعد بين دول مجلس التعاون وحزب الله فينبغي لنا استعراضها على حدة مع البدء بالسعودية:

  • توتر دائم بين الرياض وحزب الله 

يمكن الإشارة إلى البداية الحقيقة في انحدار العلاقات بين الطرفين بالعودة إلى عام 2006، وتحديدًا حين وصفت الرياض اختطاف الجنديين الإسرائيليين الذي أدى لاندلاع الحرب في جنوب لبنان بالمغامرة غير المحسوبة- واستمرت العلاقات في التدهور على خلفية الأزمة السورية وما يحدث في اليمن، ووصلت الأمور أنه في فبراير 2016 قطعت السعودية مساعداتها للجيش اللبناني والتي كانت تصل إلى 3 مليار دولار ومثلها 2 مليار لدعم قوى الأمن الداخلي، وذلك على خلفية الدعم المباشر الذي قدمه حزب الله لميليشيا الحوثي في اليمن، وفي مارس من نفس العام أعلنت السعودية حزب الله منظمة إرهابية مما يشير إلى أن الرياض قررت فتح الصراع على مصراعيه مع حزب الله ومن ورائه إيران.

وعلى الرغم من أن الرياض أجرت عددًا من جولات الحوار مع طهران برعاية عراقية إلا أنها لم تسفر عن جديد لاختلاف الأهداف المرجوة من وراء الحوار، وهو ما فوت الفرصة على حسن نصر الله الذي عقد الآمال على الحوار في التوصل إلى اتفاق يخفف الضغط على حزب الله في الداخل والخارج.

ولكن ممارسات الحزب داخل السعودية أقدم من العام 2006 بكثير – ويعود إلى تأسيس ما يعرف بـ “حزب الله- الحجاز” ويعتمد على نظام الخلايا المنفصلة بما لا يتجاوز 4 أعضاء في الخلية، وقاد حزب الله فرع الحجاز “أحمد المغسل” المتورط في تفجيرات الخبر باستخدام مادة “تي إن تي”.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\الداخلية\221946-975051077.jpg
C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\الداخلية\6dde18ed58fba302a06a70e7 (2).jpg
  • فرع الحزب في البحرين ” الأشرس”

بعد أن وجدت طهران في حزب الله نموذجًا ناجحًا لمد أذرعها خارجيًا، تم تأسيس أحزاب موازية في دول عربية؛ بهدف تصدير الأفكار الثورية الإيرانية، وكان أخطر هذه الأفرع ما تم إنشاؤه في المملكة البحرينية وما تم الكشف عنه في 1996 حينما أعلنت السلطات البحرينية عن كشف مؤامرة انقلاب من مجموعة مدعومة من إيران تدعى “حزب الله البحرين”، وعلى إثر ذلك، سحبت البحرين سفيرها في إيران وخفضت تمثيلها إلى مستوى القائم بالأعمال، ونشرت الصحف المخطط وصورًا لأعضاء الخلية.

ثم تحين الحزب الفرصة مرة أخرى قبل تظاهرات 2011 التي اتخذت من ميدان اللؤلؤة البحريني مركزًا لها وتحركت بدعم وتخطيط وتدريب من حزب الله ومن إيران عن طريق غرفة علميات. وحسب السجلات البحرينية والتقارير الأمنية، أعيدت تهيئة وتشكيل حزب الله – البحرين وإقامة معسكرات تدريبية لعناصره في ثكنة الإمام علي قرب العاصمة طهران. وقد اجتمع حزب الله اللبناني ممثلًا بعدة شخصيات قيادية فيه، ومن بينهم عكرم بركات مع القوى الشيعية في البحرين.

  • خلية حزب الله ” الكويت” 

عمل حزب الله في الكويت تحت عدد من المسميات بعدما تم إنشاؤه في بداية الثمانينيات واتخذ لنفسه أسماء وهمية مثل طلائع تغيير النظام للجمهورية الكويتية، وصوت الشعب الكويتي الحر، وقوات المنظمة الثورية في الكويت، وتأسس بمجموعة من شيعة الكويت كانت تدرس في الحوزة الدينية في “قم”، ويرتبط معظمهم بالحرس الثوري الجمهوري الإيراني، ويتدربون لديه.

وبعد موجة الاحتجاجات التي اجتاحت دول عربية في 2011 تنبهت السلطات الكويتية لمخاطر عدم الضبط الأمني لأمور الحزب داخل الكويت، وبناء عليه قامت بحملة اعتقالات موسعة لأعضائه، والتي كان آخرها حكم محكمة الجنايات الكويتية في 13 يناير 2016 بإعدام متهمين اثنين في قضية “خلية حزب الله”، أحدهما كويتي والآخر إيراني هارب. وعاقبت المحكمة أحد المتهمين بالمؤبد، فيما قضت بحبس 15 متهمًا 15 عامًا، وجميعهم يحملون الجنسية الكويتية.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\الداخلية\449421-229355728.jpg
  • حلقة الحزب في الإمارات “الأضعف” 

بداية تم التفكير في إنشاء فرع لحزب الله في الإمارات في وقت متأخر بشكل مطلق مقارنة بالفترة التي أنشئ خلالها في السعودية والكويت والبحرين، ولذلك فإن حلقات المواجهة بين السلطات الإماراتية والحزب لم تبدأ حتى عام 2009 عندما اتخذت الحكومة الاماراتية قرارًا بإبعاد عددٍ من اللبنانيين العاملين لديها تضم ما بين 75 و100 مقيم بأبوظبي، أغلبهم من أبناء الطائفة الشيعية؛ لعملهم مع حزب الله، ضمن خطة تجفيف مصادر الحزب بالإمارات.

وفي عام 2011 الذي كان محركًا محفزًا للأجهزة الأمنية، استعر العداء بين السلطات الإماراتية وحزب الله في أعقاب الكشف عن خلية تابعة له في 2015، وشهد عام 2016 محاكمة أمام الاتحادية العليا لأعضاء في الحزب متهمين بالتخطيط لأعمال إرهابية داخل الدولة في مناطق تتعلق بإنتاج النفط. وفي نفس العام أعلنت أبو ظبي تأييدها الكامل لقرار الرياض بتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية. وربما يعزى تراجع نشاط حزب الله في الإمارات إلى ضعف المكون الشيعي إضافة إلى استقرار نظام الحكم.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\حزب لله1.jpg
  • حزب الله في عمان وقطر 

ينحسر نشاط الحزب في عمان ولا يمكننا إرجاع ذلك إلى ضعف المكون الشيعي كما تم الدفع بهذه الحجة فيما يتعلق بنشاط الحزب في الإمارات- وليس ذلك لارتفاع نسبة تمثيلهم لأنهم يشكلون 5% فقط من إجمالي السكان إلى جانب الهندوس – ولكن يرجع ضعف ممارسات الحزب إلى السياسة الخارجية التي تتبعها مسقط والتي تشبه إلى حد كبير الحياد السويسري مع تنميط علاقاتها مع أغلب الدول بما فيها إيران وإسرائيل، والدليل على ذلك أنها تتصدر للوساطة في الكثير من الملفات منها ملف الحوثي.

وعلى الطرف الآخر في معادلة التقارب بين إيران والخليج تقف قطر التي حافظت هي الأخرى على نمط آخر من العلاقات مع طهران وإن كانت مدفوعة بأسباب تختلف عن أسباب مسقط- ولقد دخلت دولة قطر إلى المعادلة اللبنانية من بوابة حرب يوليو في عام 2006. وآنذاك، لم يقتصر دورها على الدعم المعنوي أو وقف عند حدوده، بل تعدى ذلك على مستوى دولي ليشكل قوة ضاغطة ساهمت في إنضاج القرار 1701 الذي أوقف العدوان الإسرائيلي، ثم استضافت دولة قطر حوارًا وطنيًا لجميع الأطراف اللبنانية، وبعد جهود مضنية لتقريب وجهات النظر بين طرفي الأزمة (14 اذار وقوى المعارضة)، تم التوصل إلى تسوية وإلى اتفاق الدوحة الذي أعاد حالة السلم المكتومة إلى لبنان.

دلالات التصنيف الأخير

  • بداية نشير إلى أهمية لبنان في معادلة السياسية الخارجية لدول الخليج- ويلخص ذلك بأن وجود ممر عسكري أو “هلال” يخضع للسيطرة الإيرانية، ويمتد من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان وساحل البحر الأبيض المتوسط يشكل أزمة للعرب والسنة على وجه التحديد- مع الأخذ بالحسبان أن تطوير هذا الممر والحفاظ عليه يعد هدفًا استراتيجيًا لطهران، ومن ثم فإن ضرب الخليج للحزب وتمويله الإيراني يصب مباشرة في خانة تقويض هذا المسعى.
  • بعد الانفتاح الخليجي على سوريا في الفترة الأخيرة بوصفها دولة ذات أهمية استراتيجية وسياسية، بات تقدم العواصم الخليجية في لبنان لإضعاف نفوذ حزب الله يشكل عامل تحفيز لسوريا للتحرك بعيدًا عن سطوة إيران وتدخلات الحزب. ولا شك أن عودة سيطرة النظام السوري إلى رونقها تؤدي إلى إضعاف سطوة حسن نصر الله في الداخل اللبناني.
  • بالنسبة للسعوديين على وجه التحديد فهم يرون في الضغط على حزب الله خلاصًا من الأزمة اليمنية، وقد حاولوا على مدى سنوات الخلاص منه تارة بالحوار مع الحوثي نفسه وتارة بالحوار مع الإيرانيين في العراق في جولات لم تؤت ثمارها لأنه في الوقت الذي هدفت فيه الرياض لمناقشة مسألة اليمن هدفت طهران لاستعادة كامل العلاقات الدبلوماسية طالبة من الرياض تقديم شيك على بياض! ومن ثم فإن التضييق على حزب الله سيؤدي قطعًا إلى تراجع دعمه المادي واللوجستي للحوثي الذي ثبت أنه تم تدريبه في معسكرات حزب الله والحرس الثوري.
  • يسعى الخليج أيضًا من وراء هذا القرار إلى النجاح في مناورة سياسية مضمونها- مبادلة اليمن بلبنان- بمعنى أكثر وضوحًا فإنه إذا خفف حزب الله دعمه للحوثي فإن دول الخليج ستتراجع وتوسع الخناق عن حزب الله في لبنان بل أن علاقاتها مع لبنان ربما تعود إلى سابق مستوياتها بالتحديد بعد عودة السفير السعودي إلى بيروت على سبيل المثال – ومن هنا قد تكون عودة العلاقات إلى قوتها عاملاً فعالًا في عودة لبنان إلى المجتمع الدولي وحصولها على تسهيلات من صندوق النقد.
  • ليس ذلك فحسب بل إن تحسن العلاقات بين لبنان والخليج يعود ببيروت إلى محيطها العربي وينأى بها أن تسقط ضحية لنفوذ طهران مثلما استقرت دول أخرى في براثن الجمهورية الإسلامية حتى الآن والنموذج العراقي هو الأوضح.
  • من خلال هذا التصنيف وجه مجلس التعاون رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها لكم شؤونكم ولنا شؤوننا – وإذا كانت واشنطن قد فكرت في رفع الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب مع الإبقاء على فيلق القدس وكأن الحرس الثوري هو جمعية خيرية ثم عادت مهرولة عندما أوعزت لها إسرائيل- فإن لدول الخليج شأن آخر يرى في إيران تهديدًا حقيقيًا لأمنها القومي والأمن الإقليمي، وقد اقتربت من تصنيع قنبلة نووية، وأنه لا تزال ترى في خطة العمل المشتركة انقلابًا على التحالف الأمني الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، ولكن في مواجهة كل ذلك فهي قادرة على التحرك بما تؤهله لها الظروف والإمكانات.

وإجمالًا؛ فقد بدت دول الخليج رغم حداثة دبلوماسياتها أكثر وعيًا وفهمًا لدينامكيات إيران- ولذلك فهي لم تثق يومًا في أن طهران إنما تريد التوصل لاتفاق نووي أكثر من كونها تريد إضاعة الوقت لامتلاك سلاح نووي بالفعل، ومن ثم فقد وجدت في خطة العمل المشتركة بين القوى الكبرى وإيران خروجًا عن السياق المنطقي للتحركات الإيرانية -وهي اليوم– وبالتصنيف الأحدث لمركز استهداف تمويل الإرهاب تعيد التأكيد على هذا الفهم وعلى هذا الوعي مع الحفاظ على شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/70798/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M