اغتيال “الظواهري”: نجاح أمريكي ومزيد من السقوط “القاعدي”

محمد فوزي

 

بعد مرور نحو 11 عامًا على اغتيال زعيم ومؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في الأول من أغسطس الجاري عن اغتيال خليفة بن لادن ورفيق دربه أيمن الظواهري، في غارة نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في أفغانستان، عبر طائرة مسيرة خاصة بالـ “سي آي إيه”، في نجاح كبير سوف تحاول الإدارة الأمريكية توظيفه سياسيًا، كما أن العملية تعبر عن حالة الضعف التي وصل إليها الفرع المركزي للتنظيم الجهادي الأشهر في العالم، فضلًا عن طرحها للعديد من الدلالات والرسائل المهمة، وكذا عن تساؤلات حول مستقبل التنظيم.

نهاية رحلة “الظواهري”

وُلد “أيمن الظواهري” عام 1951 في القاهرة، وخلال مرحلة الدراسة الثانوية أسس مع مجموعة من المتطرفين إحدى الخلايا الإرهابية بمنطقة المعادي، وهي الخلية التي كانت تابعة لتنظيم “الجهاد المصري”، وهو التنظيم الذي ظهر عقب إعدام المنظر التكفيري الإخواني “سيد قطب” عام 1966، والتحق “الظواهري” بعدها بكلية طب القصر العيني، وتخرج منها عام 1974، وتعاون “الظواهري” وخليته بعد ذلك مع تنظيم الفنية العسكرية، وسعوا إلى قلب نظام الحكم، وإعلان ما اعتبروه “الثورة الإسلامية المسلحة”، ونجح هذا التحالف في اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

في عام 1981 قرر “الظواهري” الالتحاق بالمجموعات الإسلامية المسلحة التي انتقلت إلى أفغانستان، وذلك بعد سلسلة من المحاكمات والملاحقات في مصر في إطار ما عُرف بـ “قضية الجهاد الكبرى”، وفي أفغانستان التقى “الظواهري” بمجموعة من المتشددين، وعلى رأسهم “أسامة بن لادن” الذي أعلن عن تأسيس تنظيم القاعدة في 1987، وسافر “الظواهري” مع “بن لادن” إلى السودان في 1992، وساهم في تأسيس العديد من أفرع القاعدة في القارة الأفريقية، فضلًا عن ضلوعه بدور كبير في تفجيرات نيروبي ودار السلام.

ولعب “الظواهري” دورًا محوريًا في تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وعقب هذه الهجمات أصبح “الظواهري” الشخصية المركزية في تنظيم القاعدة، بل إن بعض التقديرات والتقارير ذكرت أنه كان القائد الفعلي للتنظيم في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر، خصوصًا مع الملاحقات الكبيرة لأسامة بن لادن، وبعد مقتل “بن لادن” في مايو 2011، تولى “الظواهري” قيادة التنظيم بشكل رسمي، وتوعد الولايات المتحدة برد قوي على عملية الاغتيال، لكن “الظواهري” كان على عكس “بن لادن”، فلم يكن قائدًا استثنائيًا أو كاريزميًا على غرار “بن لادن”، وفشل على كافة المستويات في قيادة التنظيم، خصوصًا مع أمراض الشيخوخة التي أصابته في السنوات الأخيرة، وكذا عدم قدرته على توفير التمويلات اللازمة لممارسة النشاط الإرهابي.

ملاحظات على عملية اغتيال “الظواهري”

حملت عملية اغتيال “الظواهري” وما نُشر عنها من حيثيات، العديد من الدلالات المهمة، التي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تمت عملية اغتيال “الظواهري” عبر طائرة مسيرة تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وأشارت صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن الـ “سي آي إيه” هو الذي نفذ العملية وليس الجيش الأمريكي، وهو أمر يمكن فهمه في ضوء الاتفاقات التي أبرمتها حركة طالبان مع واشنطن في الدوحة، والتي تقضي بعدم تنفيذ الجيش الأمريكي لعمليات في أفغانستان، فضلًا عن أن العملية تدخل في نطاق العمليات الاستخباراتية أو السرية، وهي عمليات تكون وكالة المخابرات المركزية هي المسؤولة عنها.

كما أن العملية تمت عبر صاروخ أرض جو موجه بالليزر، ولم توقع أي ضحايا مدنيين، الأمر الذي يعكس دقة بالغة في تنفيذ العملية، سعيًا لتقليل حدة الصدام مع حركة طالبان، وكذا المجتمع الدولي في ضوء التداعيات التي قد تترتب على العملية حال إسقاط ضحايا مدنيين.

2- حاول الرئيس الأمريكي جو بايدن توظيف عملية اغتيال “الظواهري” سياسيًا، على اعتبار أن “الظواهري” كان إحدى القيادات التي خططت لهجمات 11 سبتمبر 2001، ومثلت مصدر تهديد للولايات المتحدة لسنوات، وبالتالي فإن عملية اغتياله تمثل “ثأرًا” للشعب الأمريكي، وهو ما أكده “بايدن” في خطابه الذي أعلن فيه عن العملية، حيث أشار إلى أن “العملية جاءت كرد على دور الظواهري في شن هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة” وأن “العدالة قد تحققت بهذه العملية”، ويبدو أن الرئيس الأمريكي سوف يسعى إلى الاستثمار السياسي في هذه العملية، خصوصًا مع التقارير التي تتحدث عن تراجع شعبيته في الداخل الأمريكي.

3- أشار الرئيس جو بايدن إلى أن الولايات المتحدة سوف تواصل ملاحقة تنظيم القاعدة في أفغانستان، “ولن تسمح لأفغانستان أن تكون ملاذًا للإرهابيين”، ويبدو أن تصريحات الرئيس الأمريكي تحمل رسائل ضمنية بأن واشنطن لن تترك الساحة الأفغانية كملاذ لتيارات العنف والإرهاب، أو حتى كمساحة نفوذ استراتيجي لبعض القوى مثل روسيا والصين، وهي القوى التي حاولت الاستفادة من الانسحاب الأمريكي من أجل تعزيز حضورها في أفغانستان.

كذلك أشار الرئيس الأمريكي إلى أن “الإدارة الأمريكية سوف تواصل مكافحة الإرهاب في أفغانستان وخارجها”، وهي تصريحات تحاول التأكيد على استمرار محورية ملف مكافحة الإرهاب بالنسبة للإدارة الأمريكية، وتوظيف النجاحات التي حققتها واشنطن في ملف اغتيال قادة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها القاعدة.

4- قال المتحدث باسم حكومة حركة طالبان، إن حكومة الحركة تدين بشدة الهجوم الأمريكي الذي استهدف “الظواهري”، وأن الحركة تعتبر “مثل هذه الأعمال تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأفغانستان والمنطقة، وأن تكرار مثل هذه الإجراءات سيضر بالفرص المتاحة”، لكن هذا الموقف يتعارض وبعض المعطيات، فمن جانب تحولت الجغرافيا الأفغانية منذ سيطرة الحركة على السلطة، إلى بيئة خصبة وملاذ آمن لتيارات العنف والإرهاب، ومن جانب آخر، أشارت بعض التقارير الغربية إلى أن “الظواهري” كان يُقيم في منزل تابع لأحد مساعدي وزير الداخلية في حكومة طالبان “سراج الدين حقاني”، وهو مؤشر يطرح فرضية، مفادها احتمالية ضلوع حركة طالبان بدور ما في عملية اغتيال “الظواهري”، حتى وإن لم تُشر الولايات المتحدة إلى وجود تنسيق مع طالبان بخصوص هذه العملية.

ويبدو أن طالبان تسعى من جانب إلى احتضان وتوظيف بعض جماعات العنف وخصوصًا القاعدة، ومن جانب آخر تسعى الحركة إلى الانفتاح على المجتمع الدولي، سعيًا لكسب الشرعية والاعتراف، وربما تقدم في سبيل ذلك بعض المعلومات الاستخباراتية المهمة المتعلقة بهذه الجماعات، وكذا ربما تتغاضى الحركة عن بعض العمليات التي قد تترتب على هذه المعلومات.

ارتدادات مهمة

سوف يكون لعملية اغتيال أيمن الظواهري، العديد من الارتدادات المهمة، سواءً على مستوى تنظيم القاعدة، أو على مستوى حركة طالبان والداخل الأفغاني، وذلك على النحو التالي:

1- بشكل عام يشهد تنظيم القاعدة حالة تراجع وأفول كبير على كافة المستويات استراتيجيًا وأيديولوجيًا وبنيويًا، في مقابل صعود نموذج تنظيم داعش الإرهابي، وتصدره للمشهد الجهادي العالمي، وقد كانت أزمة القيادة التي يعاني منها تنظيم القاعدة، في قلب المسببات التي أوصلته إلى هذه الحالة، فمنذ اغتيال “بن لادن” في 2011، بدأت أزمة القيادة في التفاقم خصوصًا في السنوات الأخيرة، وذلك بسبب اعتبارين رئيسين الأول يتمثل في غياب “الكاريزما” عن الظواهري وعدم قدرته على تأدية الدور المحوري الذي كان يقوم به “بن لادن”، خصوصًا مع أمراض الشيخوخة التي أصابته في السنوات الأخيرة، والثاني يرتبط بتصاعد استهداف قادة التنظيم من الجيل المؤسس أو “حراس التنظيم”، إلى الحد الذي أوجد “محدودية” على مستوى الخيارات البديلة للظواهري، وفي هذا السياق ومع “محدودية” خيارات القاعدة، يُرجح أن يتم تصعيد القيادي المكني بـ “سيف العدل” على اعتبار أنه أحد القيادات المتبقية من الجيل المؤسس، حيث رافق “بن لادن” و”الظواهري”، أو يقوم التنظيم باختيار قائد جديد من خارج الجيل المؤسس، فضلًا عن ذهاب بعض التقديرات إلى إمكانية انتقال القيادة المركزية للتنظيم إلى خارج أفغانستان، في ضوء الأزمة التي يعاني منها التنظيم، وكذا القيود المفروضة على حركة طالبان على مستوى علاقتها بتنظيمات العنف والإرهاب.

2- قد يُنظر إلى حركة طالبان من قبل تنظيم القاعدة في الفترات المقبلة، على أنها متواطئة في عملية استهداف “الظواهري”، خصوصًا وأن “الظواهري” كان يقيم في منزل تابع لأحد كبار مساعدي وزير داخلية حكومة طالبان، ما يعني أنه كان في حماية الحركة، وتتصاعد فرضية انخراط الحركة في عملية اغتيال “الظواهري” في ضوء الانقسام الذي تشهده “طالبان” على مستوى التعامل مع القاعدة، إذ يمكن القول إن هناك اتجاهًا يمكن وصفه بـ “السياسي” وهو الاتجاه الذي قاد المفاوضات مع واشتطن في الدوحة، يرغب في التنصل من العلاقات مع القاعدة، ويوجد اتجاه آخر “متشدد وعسكري” يعبر عنه مجموعة “شبكة حقاني”، وهي المجموعة التي تعبر عن تنظيم القاعدة داخل طالبان، وهو الاتجاه الذي يرغب في استمرار النهج الارتباطي بين القاعدة وطالبان.

3- ربما تدفع العملية باتجاه حدوث توتر بين حركة طالبان من جانب، والولايات المتحدة الأمريكية من جانب آخر، خصوصًا مع بيان حركة طالبان بخصوص العملية، وهو البيان الذي نظر إلى العملية على أنها انتهاك للسيادة الأفغانية، فضلًا عن أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أشار إلى أن العملية تمت بدون التنسيق مع حركة طالبان، وهو ما يعكس بشكل ضمني عدم ثقة الولايات المتحدة في حركة طالبان.

4- بعيدًا عن هامشية دور “الظواهري” على مستوى قيادة تنظيم القاعدة في السنوات الأخيرة، إلا أن القيادة في التنظيمات الإسلامية المتشددة عمومًا تحظى برمزية ومكانة كبيرة، وبالتالي قد يكون لعملية اغتيال “الظواهري” ارتدادات سلبية على قواعد ومقاتلي التنظيم، وهو أمر قد تستغله التنظيمات المنافسة للقاعدة وخصوصًا داعش، على مستوى استقطاب بعض المجموعات في القاعدة.

5- ربما تدفع عملية اغتيال “الظواهري” عناصر وأفرع تنظيم القاعدة إلى شن هجمات انتقامية، وهي فرضية واردة، خصوصًا في ضوء التحذير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية للمواطنين الأمريكيين على مستوى العالم، قالت فيه إن “أنصار القاعدة أو المنظمات الإرهابية التابعة لها قد يسعون لمهاجمة المنشآت أو المواطنين الأمريكيين”.

وختامًا، يمكن القول إن الإدارة الأمريكية حاولت عبر عملية اغتيال “الظواهري” تحقيق بعض المكاسب السياسية داخليًا وخارجيًا، إلا أن العملية تطرح العديد من التداعيات المحتملة على العلاقات الأمريكية – الطالبانية، وكذا العلاقات بين طالبان وتنظيم القاعدة، فضلًا عن ارتداداتها المحتملة على مستوى تنظيم القاعدة نفسه.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72008/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M