التقارب الأخير بين إيران وتركيا : هل هو راسخ أم علاقة مواءمات ؟

اعداد :

  • وحيد يوجيسوي – قسم العلوم السياسية، جامعة مونتريال
  • نقله عن الإنكليزية : محمد فوزي – باحث مهتم بالعلاقات الدولية

 

ملخص

منذ محاولة الانقلاب عام 2016، شهدت العلاقات الثنائية بين أنقرة وطهران دفعة كبيرة. وباستخدام وتنقيح الأطروحة التي صاغها ستيفن ديفيد وأطلق عليها التوازن الجمعي omni-balancing[1]، حيث جادل أن سلوك السياسة الخارجية في محيط العالم الثالث يضع ضمن حساباته التهديدات الداخلية للنظام، تسعى هذه الورقة إلى تقديم تفسير لهذا التقارب الناشئ. ويحاجّ هذا البحث عن أن السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية بعد العام 2016 أصبحت تنبني بشكل متزايد على صيانة بقاء النظام، وهو ما انعكس على العلاقات بين أنقرة وطهران. وقد تم تعزيز هذا التقارب من خلال التوافق بين البلدين في المواقف حيال القضايا التالية (1) الموقف المشترك المؤيد لقطر إزاء التوتر الأخير بين السعودية وقطر، (2) والتوافق على معارضة قيام دولة كردية في شمال العراق، (3) والعلاقات المضطربة بشكل متزايد مع الولايات المتحدة. ومن خلال تحليل دقيق للمصادر التركية والفارسية إلى جانب الخطاب الرسمي، ستتوسع هذه الورقة في درس هذه الجوانب الرئيسة التي شهدت تحسنًا ملموسًا في العلاقات الثنائية بين البلدين، لتخلص إلى مناقشة مدى تمتُّنها.

مقدمة

لم تنشب الحرب بين تركيا وإيران، وهما دولتان لهما تاريخ حافل وتقاليد عريقة في إدارة دواليب الحكم، منذ توقيع معاهدة قصر شيرين في العام 1639، والتي رسّمت الحدود بين البلدين دون أن يطرأ عليها أي تغيير منذ ذلك الحين. وعلى الرغم من الاختلاف الحاد في المواقف الأيديولوجية، فقد تسامح كلا البلدين في تعاطيه مع جاره بعد قيام الثورة الإيرانية في العام 1979. جاء حزب العدالة والتنمية الإسلامي التوجه إلى سدة السلطة في تركيا في العام 2002. وقد ساعد ذلك مبدئيًّا على وصول العلاقات الثنائية بين أنقرة وطهران إلى مرحلة واعدة، وهو توجه ترسخ مع وصول الرئيس محمود أحمدي نجاد (محمود احمدی‌نژاد) إلى السلطة في إيران في العام 2005. وعلى الرغم من تباين الأهداف الإقليمية، وجد رئيس الوزراء التركي (منذ العام 2014، أصبح رئيسًا للدولة) رجب طيب أردوغان وأحمدي نجاد أرضية مشتركة للمضي بالعلاقات قدمًا نحو طور جديد. وقد استخدم كلا الزعيمين الخطابات الشعبوية التي تروج للوحدة الإسلامية. وعند الحديث عن أحمدي نجاد، كان أردوغان يلقبه بـ “أخي العزيز”.[2] كما دعم أحمدي نجاد تركيا دعمًا مطلقًا بعد الاعتداء على الأسطول حيث وصف الهجوم الإسرائيلي على سفينة تركية بأنه “مؤشر على الضعف وليس القوة”.[3] وفي عمرة الانتخابات الرئاسية الإيرانية المثيرة للجدل في العام 2009، والتي أسفرت عن فوز أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، سارع أردوغان إلى تهنئة أحمدي نجاد.[4] وفي العام 2010، عرضت تركيا أن تكون وسيطًا في أعقاب فشل المفاوضات بين إيران ومجموعة 5 + 1 (مجموعة تضم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا) ومساعدة طهران على تسوية خلافاتها مع الغرب بمساعدة البرازيل. وقد شهدت هذه الفترة طفرة في التعاون المتبادل، كما يتضح هذا من التنامي غير المسبوق لحجم التجارة بين البلدين. والذي قفز بالفعل من 2.4 مليار دولار فقط في العام 2002 ، إلى 22 مليار دولار بحلول العام 2012.[5]

وبالرغم من ذلك، فإن أجواء الصداقة هذه لم تدم طويلا. فقد تأذت بسبب الطموحات الإقليمية المتضاربة التي تجلت بعد الربيع العربي، وعلى نحو خاص بسبب الحرب السورية التي طال أمدها حيث سعى البلدان إلى صياغة مسار مختلف لمستقبل سوريا. وبرغم ذلك، فقد تحسنت العلاقات الثنائية بشكل ملحوظ، بعد محاولة الانقلاب في يوليو تموز 2016 في تركيا. وقد تعزز هذا التحسن في العلاقات بفعل الظروف الإقليمية والدولية الناشئة لاحقًا والتي أدت إلى مواقف متقاطعة بشأن عدد من القضايا. كما خلقت حالة الانقسام بين دول مجلس التعاون الخليجي والاستفتاء على استقلال إقليم كردستان في شمال العراق ظروفاً مواتية للتعاون بين أنقرة وطهران. وعلى الصعيد الدولي، شهدت كلا البلدين تدهورًا حادًا في العلاقات مع الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب إلى جانب شعور بالمظلومية تجاه السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط.

لماذا تسارعَ تقاربُ هاتين القوتين الإقليميتين، اللتين كانتا توازنان بعضهما البعض حتى يوليو 2016. بتوظيف الأطروحة التي صاغها ستيفن ديفيد وأطلق عليها التوازن الجمعي، والذي يجادل أن سلوك السياسة الخارجية في محيط العالم الثالث يضع ضمن حساباته التهديدات الداخلية للنظام، تحاول هذه الورقة تفسير هذا التقارب الذي أعقب محاولة الانقلاب في العام 2016. ويحاجّ هذا البحث عن أنه بعد هذا الحدث أصبحت السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية تنبني بشكل متزايد على صيانة بقاء النظام، وهو تطور عرضَ له باحثون آخرون أيضًا.[6] ونتيجة لذلك ، بدأت أنقرة في إعادة تقييم الكثير من جوانب علاقاتها مع جيرانها.

وعلى الرغم من أن العلاقات الروسية التركية شهدت أيضًا انتعاشًا كبيرًا، إلا أن تحسُّن العلاقات بين طهران وأنقرة     جدير بالتحليل على نحو خاص. ذلك أن الدولتين كانتا فرسي رهان في مضمار التنافس على النفوذ في المنطقة على مدار عقود. وكانتا تتبنيان مواقف متباينة تماما حول مختلف القضايا. وفي ضوء هذه المعطيات، سيكون من المفيد التركيز على التقارب المتزايد الذي غذته أولاً وقبل كل شيء محاولة الانقلاب وعززته الظروف الإقليمية والدولية. فقد ارتبطت السياسة الخارجية الجديدة لحكومة حزب العدالة والتنمية من أجل صيانة بقاء النظام بالظروف الإقليمية والدولية. فعلى الصعيد الإقليمي، أجبر الخلافُ بين العربية السعودية وقطر تركيا على الانحياز لقطر، أحد الداعمين الأيديولوجيين لجماعة لإخوان المسلمين، التي يتقاسم حزب العدالة والتنمية معها تقاربًا إيديولوجيًا. وفيما يتعلق بالاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، فإن وجود أقلية كردية كبيرة في تركيا والتوترات المتزايدة في البلاد بشأن القضية الكردية شكل تحديًّا لاستقرار هش بالفعل في أعقاب محاولة الانقلاب في تركيا. وعلى الصعيد الدولي، أدت إدانة الغرب (وخاصة الولايات المتحدة) لتعاطي تركيا مع محاولة الانقلاب إلى استثارة مشاعر الاشمئزاز والنفور لدى أنقرة. وبسبب كل هذه التداعيات، وجدت تركيا وإيران أرضية مشتركة للتعاون.

تم تنظيم البحث بحيث يبدأ بعرض الإطار النظري، مع التركيز بشكل خاص على مفهوم التوازن الجمعي. ثم سيتم تفحص العلاقات الإيرانية التركية بعد الربيع العربي. وبالأخير، سيتم تناول التقارب بعد الانقلاب في القسم الأخير كتمثُّل للتوازن الجمعي. وسيتم استقراء هذا التقارب من خلال موقف البلدين المشترك المؤيد لقطر في الأزمة التي تشهدها العلاقات السعودية – القطرية ومعارضتهما المشتركة لقيام دولة كردية في شمال العراق وعلاقات البلدين المضطربة مع الولايات المتحدة.

الإطار النظري: التوازن الجمعي

طوَّر ستيفن ر. ديفيد أطروحة التوازن الجمعي لمعالجة أحد نقاط الضعف الكامنة في نظرية توازن القوى. فوفقًا لديفيد، لا تأخذ نظرية توازن القوى في الاعتبار الخصائص المميزة للعالم الثالث. ففي جوهرها، تؤكد نظرية توازن القوى على أن محددات بناء التحالفات تنبع بشكل أساسي من هيكل النظام الدولي، وعلى وجه الخصوص، التهديدات الخارجية الفعلية والمحتملة التي تواجهها الدول.[7] ويتجاهل هذا الافتراض الخصائص الداخلية للدولة، والتي يمكن أن تكون ذات صلة بالتأثير على قرارات الدول بالدخول في تحالفات.[8] إذ يمكن للتهديدات الداخلية لنظام أن تجبر قادته على اختيار سياسة الاسترضاء، أي اختيار التحالف مع الخصوم الثانويين بحيث يمكن تخصيص الموارد للخصوم الأساسيين. ووفقًا لذلك، تصطف القيادة المُهدَّدة مع أحد مصادر التهديد للتصدي لمصدر التهديد الآخر.[9] وكما لاحظ ديفيد، فإنه نظرًا لأن الهدف الرئيس للعديد من قادة العالم الثالث هو البقاء في السلطة، فإنهم يتخذون أحيانًا قرار الدخول في تحالفات سعيًا لحماية أنفسهم على حساب مصالح الدولة. وهذا النمط من السلوك الموازِن لا تعالجه نظرية توازن القوى.[10]

بتطبيق نظرية التوازن الجمعي على التوازن الاستراتيجي لتركيا مع جيرانها، خاصة مع إيران، تهدف هذه الورقة أيضًا إلى إدخال بعض التحسينات النظرية على الافتراضات الرئيسة للنظرية. أولاً، على الرغم من أن ديفيد يفترض نظريًّا أن تحقق التوازن الجمعي يستلزم أن يكون القادة “ضعفاء وغير شرعيين”.[11] فإن حالة أردوغان في تركيا مفيدة للغاية. كان أردوغان يعمل على توطيد سلطته بشكل كبير قبل محاولة الانقلاب في العام 2016، وهي العملية التي ازدادت تعززًا بعد محاولة الانقلاب من خلال عمليات التطهير في الجيش والقطاع الحكومي. وعلى الرغم من الطبيعة الاستقطابية للمجتمع التركي، لا يزال أردوغان يتمتع بشعبية كبيرة. وبينما جاء حزبه إلى السلطة بنسبة 34.3 في المائة من الأصوات في العام 2002، فقد ارتفع حظه من الأصوات إلى 46.6 في المائة في العام 2007 وإلى 49.8 في المائة في العام 2011.[12] وفي نوفمبر تشرين الثاني 2015، وقبل أقل من عام بقليل من محاولة الانقلاب، حصل حزب العدالة والتنمية على حوالي 50 بالمائة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية، وشكل حكومة أغلبية. كما تم انتخاب أردوغان رئيسًا في العام 2014 بأغلبية الأصوات. ومن هنا، فإنه على عكس فرضية ديفيد، فإن أردوغان لا يزال يتمتع بشرعية كبيرة. بيد أن التمتع بالشرعية لم يمنع حكومة حزب العدالة والتنمية من جعل الاستقرار الداخلي والبقاء في السلطة شاغلها الرئيس بعد محاولة الانقلاب. ثانيًا، افترض مفهوم ديفيد للعالم الثالث أن العالم الثالث “تطور عبر القرون وأن الغالبية العظمى من دول العالم الثالث كانت مستعمرات أسست بها القوى الأجنبية دولًا لم تكن موجودة من قبل”.[13] غير أنه خلافًا لتصنيف ديفيد، فإن تركيا لديها استمرارية في تقاليد الدولة، الموروثة من الإمبراطورية العثمانية، ولم تكن مستعمرة ولم يتم تأسيسها من قبل القوى الأجنبية. وبالرغم من ذلك، فإن السياسة الخارجية التركية بعد الانقلاب لا تزال مختزلة في سياق التوازن الجمعي.

ما بعد الربيع العربي: انتكاس في العلاقات وموازنات إقليمية

عندما أطاح الربيع العربي ما بين العامين 2010 – 2011 بالزعماء المستبدين في تونس ومصر وليبيا وأنذر بالتمدد على نحو أكثر اتساعًا في المنطقة، كانت كل من إيران وتركيا غير متهيئتين للتعاطي مع مثل هذه الثورات واسعة النطاق، وسَعَتا إلى إيجاد سبل للاستثمار في هذا الحراك. فرحبت إيران بالانتفاضات بوصفها جزءًا من “الصحوة الإسلامية”،[14] رابطة هذه الحراكات بثورتها الإسلامية في العام 1979. بينما حاولت تركيا التركيز على ميزة قوتها الناعمة التي تتسم بتوليفة من الديمقراطية الانتخابية والنجاح الاقتصادي وإمكانية محاكاة هذه الدول للنموذج التركي.[15] وعلى الصعيد الداخلي، كان أردوغان في أوج قوته، حيث كان قد خرج منتصرًا للتو من استفتاء شعبي على تعديلات دستورية لإصلاح السلطة القضائية.[16]

ولكونه في موقف قوي، كان لدى أردوغان إدراك لقوته. فسعى إلى تعزيز نفوذ تركيا في الشرق الأوسط من خلال القيام يرحلات دبلوماسية متعددة. وكانت زياراته إلى تونس ومصر وليبيا هي الاستجابة الأكثر أهمية في أعقاب الربيع العربي مباشرة، حيث صاغ دوافع جولته بكونها بادرة “لإظهار أننا [كأمة تركية] نقف مع [هذه الدول العربية] خلال هذه الأوقات الصعبة.[17]

مع تمدد الربيع العربي ووصوله إلى سوريا، طفت على السطح تباينات في الأهداف الإقليمية بين كل من إيران وتركيا حيث كان لكل من البلدين مصالح وتصورات مختلفة جذريًا. وفي سبتمبر أيلول 2011، أعلن أردوغان أنه سيتم تعليق العلاقات بين تركيا وسوريا وأن تركيا ستشارك في فرض عقوبات على دمشق.[18] ودعا الأسد إلى الاستقالة بنبرة حادة قائلاً “بالله عليك، من الذي تقاتله؟ إن قتال شعبك حتى الموت ليس بطولة، إنه جبن”.[19] ثم تبع ذلك تقديم تركيا لمساعدات لوجستية للجيش السوري الحر، الذي افتتح مقر قيادته العامة لأول مرة في محافظة خطاي في العام 2012. وتواصل دعم أنقرة للمعارضة السورية حثيثًا طوال عامي 2013 و 2014 مع تبني سياسة تسمح للمقاتلين الأجانب بعبور الحدود؛ على أن هذه السياسة أصبحت في وقت لاحق مثيرة للجدل خاصة بسبب صعود الجماعات الإسلامية، مثل أحرار الشام وجبهة النصرة، ولاسيّما الدولة الإسلامية (داعش).[20] وفي العام 2015، وجه أردوغان انتقادات لاذعة لإيران وروسيا لدعمهما وتأييدهما لنظام الأسد، وعلى نحو خاص اتهام إيران بإثارة الطائفية في سوريا وإطالة أمد الصراع.[21]

إن موقف تركيا القاطع بشأن إزاحة الأسد عن السلطة كجزء من سياستها الخارجية بالغة الحزم مهد الطريق لعلاقة صراعية على نحو متزايد مع إيران. وفي حين بدت إيران متعاطفة مع انتفاضات الربيع العربي في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، إلا أنها نظرت إلى الصراع الذي يتمدد في سوريا باعتباره مؤامرة إمبريالية ورفضت الربط بينه وبين “الصحوة الإسلامية”. وبدأت حرب كلامية بين إيران وتركيا. ورأت طهران تدخل أنقرة في الصراع السوري جزءًا من مؤامرة تقودها الولايات المتحدة وتمولها السعودية لتقويض الامتداد الإقليمي لإيران.[22] وبعد أن أصبح حسن روحاني رئيسًا لإيران في العام 2013 وجرى التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة في يوليو تموز 2015 بشأن البرنامج النووي الإيراني، سارع أردوغان إلى الاتصال به وتهنئته.[23] وعلى الرغم من ذلك، فعندما قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بعد ذلك بوقت قصير، بجولة لزيارة بعض دول المنطقة، استبعد كلاً من تركيا والعربية السعودية من محطات توقفه، على الرغم من أنه كان من المقرر أن يزور أنقرة.[24] وعلى الرغم من أن ظريف أرجع هذا الإلغاء إلى مشاكل تتعلق بجدولة الجولة، إلا أن مقالاً نشره موقع فرانس 24 زعم أن تأجيل الزيارة كان نتيجة نشر صحيفة تركية لمقال لظريف ينتقد فيه السياسة الخارجية التركية.[25]

ومع اندلاع الحرب في اليمن ، تضخمت الخلافات بين تركيا وإيران. وعندما أطاح المتمردون الحوثيون الموالون لإيران بالرئيس منصور هادي، حولت المنافسةُ السعودية – الإيرانية على الهيمنة الإقليمية البلادَ إلى ساحة لمعركة جديدة حيث اتهم السعوديون إيران بإشعال توترات طائفية. وإزاء هذا الوضع، أعلنت تركيا دعمها الكامل للموقف السعودي في اليمن. وفي مقابلة أجريت معه في مارس آذار 2015، قال أردوغان إن أنقرة قد تفكر في تقديم “دعم لوجستي” للمهمة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، مضيفًا أنه “يجب على إيران والجماعات الإرهابية الانسحاب”. كما أشار إلى أن “إيران تهدف إلى زيادة نفوذها في العراق”. وأنها تعمل على ملاحقة داعش في المنطقة فقط لتحل محلها.[26] وأثارت هذه التصريحات غضب المسؤولين الإيرانيين. وجاء رد الفعل الأول من جواد ظريف، الذي انتقد تركيا “لتبنيها سياسات ضارة” في المنطقة، واستدعت إيران أيضًا السفير التركي في طهران لتعرب عن احتجاجها على تصريحات أردوغان.[27] وقد كانت حرب التصريحات هذه مؤثرة للغاية لدرجة أن أحد مستشاري أردوغان أكد أنها دفعته إلى التفكير في إلغاء زيارته لإيران في أبريل نيسان 2015؛ ورغم ذلك، فإنه نظرًا لإصرار الجانب الإيراني، فإن ترتيبات الزيارة ظلت قائمة.[28] وفي حين أن إمكانية عقد صفقات تجارية مربحة بعد رفع العقوبات يمكن أن تفسر جزءًا من سبب موافقة كل من روحاني وأردوغان على إتمام الزيارة، فقد تُكهِّن أيضًا بأن أردوغان ووزراءه زاروا طهران للحصول على تطمينات بشأن طموحات إيران الإقليمية.[29]

وقبل زيارته، طلب المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حسين منصور حقیقت‌پور، إلى جانب 65 نائبًا، علنًا إلغاء زيارة أردوغان، ودعا إلى اعتذار رسمي منه عما وصفوه بـ تصريحات “مهينة”.[30] وصرح حقیقت‌پور، مشيراً إلى أردوغان بـ “رجب باشا”، بأنه “يجب عليه أن يتخلى عن الأيديولوجية العثمانية الجديدة ويعتذر للأمم الكبرى في المنطقة”.[31]

ومع استمرار التشاحن الدبلوماسي، أصبحت وسائل الإعلام الإيرانية، وخاصة القنوات المقربة من الحرس الثوري، تنتقد بشكل متزايد التدخل التركي في الحرب السورية، متهمة أنقرة بدعم الإرهابيين في سوريا.[32] وعندما هاتف أردوغان روحاني في العام 2015 للتحدث عن الدور الإيراني في الصراع السوري وطلب منه تفسيرًا للاتهامات التي توجهها الصحافة الإيرانية لتركيا، رد روحاني قائلاً: “إن الصحافة في إيران حرة وأنه لا يستطيع فرض رقابة على ما يُكتب فيها” فأجاب أردوغان بسخرية: “إن الجميع يعرف مدى ما تتمتع به صحافتك من حرية!”[33] وقد عمقت آثار الربيع العربي حالة التنافس عبر أدوات القوة الناعمة، والصراع على النفوذ في العالم العربي، وانغمست القوتان في اصطناع حرب بالوكالة في المنطقة، فيما واصلت تركيا محاولتها موازنة إيران. وكان هذا الهدف جليًّا بشكل خاص عندما انضمت تركيا إلى العربية السعودية في العام 2015 لكبح نفوذ إيران المتنامي في المنطقة.

وقد أثرت هذه المشاحنات الدبلوماسية والمسائل الأمنية على العلاقات الاقتصادية الثنائية. وفي حين بلغ حجم التبادل التجاري بين ايران وتركيا ما يقرب من 22 مليار دولار في العام 2012، فقد انخفض هذا الرقم بحلول العام 2014 إلى 13.7 مليار دولار، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الخلافات حول القضايا السياسية والأمنية، فضلاً عن العقوبات الدولية المفروضة على إيران.[34] وعلى الرغم من التباين التام في الأهداف الإقليمية والجيوسياسية لكلا البلدين والانتكاسات المذكورة أعلاه، فقد ظلت العلاقات في مجال الطاقة قائمة. ويعزى ذلك إلى الاحتياجات المتبادلة لكلا البلدين استجابة لبواعث اقتصادية. فقد كان القرب الجغرافي لإيران وموارد النفط والغاز الوفيرة في البلاد عاملاً لا يمكن لتركيا تجاهله، مما زاد من الطبيعة المعقدة لعلاقاتهما. وفي منتدى الطاقة العالمي المنعقد في أكتوبر تشرين الأول 2013 في كوريا الجنوبية، قال تانر يلدز، وزير الطاقة التركي، إنه على الرغم من أن تركيا تشتري ما يقرب من 10 مليار متر مكعب من الغاز من إيران، إلا أن الكمية لا تزال غير كافية لاحتياجات تركيا، وأعرب عن استعداد أنقرة لشراء المزيد من الغاز الطبيعي. وتعهد أيضًا بعدم التوقف عن شراء 100 ألف برميل يوميًّا من واردات النفط الخام من إيران في ضوء احتياجات تركيا من الطاقة.[35] وكان هذا أيضًا استنكارًا للضغط الغربي على تركيا للحد من وارداتها من الطاقة من إيران كجزء من العقوبات الدولية. وعلى الجانب الإيراني، استحوذت تركيا على ما يقرب من 90 في المائة من صادرات الغاز الإيراني، بينما بحلول نهاية عهد أحمدي نجاد في العام 2013، أصبحت إيران أكبر مورد للنفط لتركيا، حيث استوردت أنقرة 43.1 في المائة من احتياجاتها النفطية من إيران.[36] وبالنسبة لإيران، كانت العلاقات التجارية مع تركيا – في سياق العقوبات والاقتصاد المتداعي للبلاد – حيوية.[37] وقد استمرت هذه التوجهات للحفاظ على علاقات اقتصادية وثيقة، خاصة في مجال الطاقة، بعد الرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني في العام 2015. ومع ذلك ، يجب أن يوضع في الاعتبار أنه في حين تم الحفاظ على العلاقات الاقتصادية، فإن ذلك لم يكن وحده كافيًا لرأب الصدع في العلاقات الدبلوماسية المتوترة بشكل متزايد.

وفي غضون ذلك، دخلت علاقة أنقرة مع موسكو، وهي واحدة من أقرب حلفاء إيران، مرحلة أكثر تصادمًا. وفي نوفمبر تشرين الثاني 2015، أسقطت طائرة مقاتلة تركية من طراز F-16 طائرة هجومية روسية بينما كانت تحلق قرب الحدود التركية – السورية. وأثار الحادث غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اعتبر إسقاط أنقرة للطائرة “طعنة في الظهر” ارتكبها “شركاء الإرهابيين”.[38] وقد أدى ذلك إلى تدهور حاد في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع روسيا، على نحو وجه ضربة قاسية لصادرات تركيا واستثماراتها في روسيا. كما ردت طهران على إسقاط الطائرة الروسية. ووصف روحاني عمل أنقرة بأنه “خطير للغاية” و “استفزازي” وقال إن عواقب مثل هذه الممارسات “تقع على عاتق البادئ”، فيما حث البلدين على التعاون ضد الجماعات الإرهابية في سوريا.[39] هذا وقد أخذت العلاقات مع روسيا في التحسن منذ يونيو حزيران 2016 بعد أن اعتذر أردوغان علنًا عن إسقاط الطائرة الروسية.

وخلاصة القول، فإنه بصرف النظر عن استمرار التعاون في مجال الطاقة بسبب الاحتياجات المتبادلة لكلا البلدين، فقد اتسمت العلاقات بين أنقرة وطهران – حتى حين وقوع محاولة الانقلاب في العام 2016 – بشكل متزايد بعدم الثقة المتبادلة والاتهامات العلنية، حيث حاولت كلتا القوتين الإقليميتين موازنة بعضهم البعض. وكانت سياسة أنقرة تجاه القضية السورية تؤكد على إبعاد الأسد عن السلطة كما نأت بنفسها عن موسكو وطهران ودمشق. وكان هناك المزيد من التداعيات الناجمة عن الصراع السوري مثل ظهور حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) السوري الكردي، الذي تتهمه تركيا بالانتماء إلى حزب العمال الكردستاني PKK، وهو جماعة تركية كردية متشددة تعتبرها تركيا منظمة إرهابية.

محاولة الانقلاب في العام 2016: التوازن الجمعي في العلاقات الخارجية التركية

حفزت محاولة الانقلاب في يوليو تموز 2016 ضد أردوغان قيادة حزب العدالة والتنمية على اللجوء إلى شيء من محاسبة النفس في علاقاتها وتحالفاتها الدولية. وأصبحت صياغة السياسة الخارجية “مرتهنة” بالقضايا والأولويات الداخلية.[40] وتساوقًا مع أطروحة ستيفن ديفيد حول التوازن الجمعي، فإن التهديدات الأمنية الداخلية التي واجهها نظام أردوغان أثناء وبعد محاولة الانقلاب أجبرته على اختيار سياسة استرضاء إزاء التهديدات الثانوية (الخارجية) والتوافق مع الخصوم الثانويين في محاولة لتخصيص الموارد لاستئصال الخصوم الأساسيين (الداخليين). ومن ثَمَّ، أصبحت صياغة السياسة الخارجية قائمة على مواجهة التهديدات الداخلية.

لقد فشل الانقلاب بعد أن تمكن أردوغان من حشد عدد كبير من المؤيدين في الشوارع، مما أدى إلى إرباك مدبري الانقلاب. وسرعان ما وجَّه أردوغان أصابع الاتهام إلى فتح الله غولن، الداعية الإسلامي، وأنصاره (المعروفين أيضًا بالغولانيين). ولا يزال غولن حتى يومنا هذا يعيش في منفى اختياري في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من التحالف الذي جمعهما في البداية، فقد أصبح أردوغان وغولن خصمين لدودين. وقد اتهمت الحكومة التركية غولن بقيادة منظمة إرهابية، وتم تطهير الجيش والمؤسسات العامة من الآلاف من الغولانيين بالإضافة إلى العديد من الخصوم الآخرين لأردوغان. كما تم اعتقال أعداد كبيرة من الأشخاص. وبحلول يناير كانون الثاني 2017، تم توقيف 41,326 شخصًا من بين 103,850 مشتبه به، وظل 902 آخرين قيد الاعتقال.[41] وفي حين أدانت الحكومات الغربية محاولة الانقلاب – وإن كان ذلك بعد بعض التأخير، حيث استغرق صدور معظم ردود الأفعال أكثر من 24 ساعة على نحو أثار فزع قيادة حزب العدالة والتنمية – فقد كانت قاطعة في انتقاد موجة الاعتقالات وانتهاكات حقوق الإنسان بعد الانقلاب. وبعد شهر من محاولة الانقلاب، كانت خيبة أمل تركيا تجاه الغرب لا تزال واضحة للغاية في المقابلات التي أجراها مسئولو حزب العدالة والتنمية مع وسائل الإعلام الغربية. وفي مقابلة أجرتها مع هيئة الإذاعة البريطانية، عبرت روضة قاوقجي قان، النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، عن فزعها من موقف الغرب بقولها “نشعر بخيبة أمل بالفعل، يظهرون بعض التعاطف مع أولئك الذي وقفوا أمام الدبابات. فيما تعرب حكومات الغرب عن قلقها بشأن المتآمرين في محاولة الانقلاب، هؤلاء الجبناء، أكثر من اهتمامها بالشعب التركي”.[42] وقد ضغطت قيادة حزب العدالة والتنمية بدأب من أجل تسلُّم فتح الله غولن من الولايات المتحدة، وهو مطلب لم تلبه إدارة أوباما ولم يجد له آذانًا صاغية من قبل إدارة ترامب حتى الآن.

وفي هذه الأثناء، وعلى الرغم من العلاقات المتوترة بين طهران وأنقرة، فقد سارع رجال الدولة في إيران إلى إدانة محاولة الانقلاب. فاتصل جواد ظريف بنظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، في غضون ساعات من محاولة الانقلاب. فضلاً عن ذلك، فقد أعلن علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الذي يشرف على صياغة سياسات الأمن القومي للبلاد، دعمه لحكومة حزب العدالة والتنمية، قائلاً “نحن ندعم الحكومة الشرعية في تركيا ونعارض أي نوع من الانقلابات – سواء وقفت خلفه أطراف داخلية أو كان مدعومًا من قوى أجنبية”.[43] وعلى الرغم من أن طهران كانت مستاءة بشكل متزايد من سياسات أنقرة الإقليمية، إلا أن فشل محاولة الانقلاب كان يصب في مصلحة طهران لعدة أسباب. فلو كان مدبرو الانقلاب من الكماليين، فما كان لإيران أن تتوقع علاقات أفضل مع تركيا مما كانت عليه في ظل حكم أردوغان، إذ لم تكن حالة العلاقات بين أنقرة وطهران مثالية طوال حقبة الثمانينيات والتسعينيات قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة.[44] وعلاوة على ذلك، فإن احتمال تورط الغولانيين في محاولة الانقلاب كان سببًا في استثارة استياء طهران أيضًا، إذ من المعروف أن فتح الله غولن كان من المنتقدين بشدة لإيران والنظام الإيراني.[45] كما كان النظام الإيراني يرى أيضًا إمكانية وقوع انتفاضة داخلية مع تزايد حالة التوتر، بالنظر إلى أن ذكرى التظاهرات العامة التي قامت بها المعارضة في العام 2009 ما زالت ماثلة في ذاكرة الإيرانيين ضد ما كان يُنظَر إليه على نطاق واسع على أنه تزوير للانتخابات الرئاسية.[46] وعليه، وبالنظر إلى كم السخط الذي كان يجيش في صدور الكثير من الإيرانيين ضد نظامهم، فإن نجاح الانقلاب كان يمكن أن يؤدي أيضًا إلى المزيد من التذمر بين الإيرانيين. وعلاوة على إيران، فإن الإجراءات الصارمة التي اتخذها أردوغان عقب الانقلاب ضد العناصر المتمردة، وحقيقة أن علاقات أنقرة قد توترت بالفعل مع حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي (النيتو)، أعطت قيادة حزب العدالة والتنمية حافزًا أكبر لمزيد من التعاون مع روسيا، والتي قدمت أيضًا دعمًا كاملاً لأردوغان بعد محاولة الانقلاب.[47]

تغيير جذري في سياسة أنقرة تجاه سوريا

بالنظر إلى التقارب التركي الوليد مع إيران وروسيا وحالة الجفاء التي اعترت علاقات تركيا مع الغرب، فقد مرت سياسة أنقرة تجاه سوريا بمراجعات جوهرية. وقد حفَّزَ تركيا على الدخول في هذه المراجعات إدراكها لحدود قوتها. ففي سوريا، تفهمت تركيا تدريجيًّا حقيقة أنها لم تفشل في فرض رؤيتها حول التوصل إلى حل للقضية السورية فحسب، بل كانت تواجه أيضًا تيار القومية الكردية الصاعدة في المنطقة. لذا لم تعد تركيا تروج لتغيير النظام في سوريا. وفي 20 أغسطس آب 2016، أعلن رئيس الوزراء بن علي يلدريم رسميًّا عن سياسة أنقرة الجديدة تجاه سوريا، والتي تهدف إلى حل الأزمة بمشاركة جميع اللاعبين الرئيسيين، بما في ذلك الرئيس السوري بشار الأسد.[48] وعلى الرغم من الخلافات بين كل من إيران وتركيا حول القضية السورية، فقد قرر كلا البلدين التركيز على ما يعتبرونه تهديدات مشتركة: أي إمكانية قيام دولة كردية مستقلة وتهديد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وكان هذا مؤشرًا واضحًا على تركيز تركيا على الاستقرار الداخلي، والذي يرتبط مباشرة باستقرار نظام أردوغان في البلاد، وهذا ما يتسق تمامًا مع أطروحة ستيفن ديفيد حول التوازن الجمعي. علاوة على ذلك، فقد كانت تركيا قاطعة في تصنيفها للمجموعات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في سوريا على أنها تمثل تهديدًا، في حين حافظت إيران، من ناحية أخرى، على سلام بارد مع هذه الجماعات بينما ظلت تعارض بقوة قيام دولة كردية في سوريا.

لقد صمد تحسن العلاقات بين إيران وتركيا حتى أمام اختبار سقوط حلب في ديسمبر كانون الأول 2016، عندما كانت كل من أنقرة وطهران تدعمان بشكل صريح الأطراف المتنازعة في الصراع. وعلى الرغم من حالة الغضب التي انتابت بعض وسائل الإعلام المقربة من حكومة حزب العدالة والتنمية ومراكز الأبحاث والدراسات الموالية لحزب العدالة والتنمية مثل سيتا،[49] إلا أن المسئولين في أنقرة قد امتنعوا عن توجيه نقد صريح لإيران. وفي اتصال هاتفي جمعه مع المسئولين الإيرانيين، اقتصر يلدريم على التعبير عن قلقه إزاء محنة المدنيين المحاصرين في المدينة، وأكد على استعداد تركيا لتسهيل الجهود من أجل إعادتهم إلى وطنهم.[50]

وفي ديسمبر كانون الأول 2016، أطلقت تركيا وإيران وروسيا فكرة إنشاء مناطق لـ “خفض التصعيد” في سوريا وتوافقت عليها، الأمر الذي قلب ميزان الصراع لصالح النظام السوري. وبحلول العام 2019، كان التعاون الثلاثي بين إيران وتركيا وروسيا في سوريا لا يزال متماسكًا إلى حد ما. وفي أبريل نيسان 2019، عندما استضاف مولود جاويش أوغلو جواد ظريف في تركيا، قال: “إننا من أجل السلام الدائم في سوريا والحفاظ على وقف إطلاق النار في إدلب، نواصل العمل معًا للتنسيق بشأن مختلف القضايا، بما في ذلك قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من سوريا”.[51] ومع تصعيد النظام السوري هجومه على إدلب التي كانت معقلاً للثوار، تجنبت روسيا وإيران الدخول في صراع مع تركيا على الرغم من خلافاتهما معها. وبينما عارضت تركيا التحدث إلى الجماعات الكردية، فإنها كانت ترغب أيضًا في السيطرة على نطاق العمليات العسكرية في إدلب ضد الثوار لوقف تدفق المزيد من اللاجئين إلى حدودها.[52] وبالنسبة لإيران، فقد كان تعزيز قبضة الأسد على جميع أنحاء سوريا يمثل أولوية. ومع ذلك ، فقد كان كلا البلدين في حالة من الاعتماد المتبادل على بعضهما البعض. فبينما كانت لدى أنقرة القدرة على مساعدة طهران في التخفيف من الآثار السلبية للعقوبات الأميركية، كان نفوذ إيران على الأسد بالإضافة إلى الدور العسكري المحتمل الذي يمكن أن تلعبه في إدلب هي الأدوات الرئيسة التي تمتلكها طهران لمقايضة أنقرة.[53] وهكذا أصبح موقف تركيا تجاه سوريا بعيدًا كل البعد عن موقفها القاطع السابق المصمم على الإطاحة بالأسد قبل محاولة الانقلاب.

الدعم المشترك لقطر خلال الصراع القطري – السعودي

في يونيو حزيران 2017، اندلعت أزمة دبلوماسية بين قطر والعربية السعودية عندما قررت السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين على نحو مفاجئ قطع علاقاتهم الدبلوماسية مع الدوحة. وقد تذرعوا بدعم الدوحة لـ “الإرهاب”. وتلقى السعوديون أيضًا دعم إدارة ترامب، حيث غرد ترامب في 6 يونيو حزيران دعمًا للعربية السعودية، وانتقد تمويل الدوحة لـ “الفكر الراديكالي”.[54] في إشارة إلى دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين. وعندما قطعت هذه الدول علاقاتها مع قطر، قدمت قائمة تتضمن 13 مطلبًا إلى الدوحة، كان من بينها خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية المتنامية مع إيران، وقطع العلاقات مع جميع “المنظمات الإرهابية” ، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين؛ إنهاء الوجود العسكري التركي في قطر وإيقاف أي تعاون عسكري مشترك مع تركيا ؛ وتوقف قطر عن تقديم الدعم للمعارضين السعوديين والإماراتيين.[55] وفيما يتعلق بإيران، فقد أشاد أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بإيران باعتبارها “قوة إسلامية”، بحسب ما تم تداوله، وانتقد سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه إيران.[56] وقد هدد التحالف السعودي قطر بفرض حظر تجاري شامل وأعطى الدوحة مهلة نهائية للامتثال لمطالبها. وهكذا، وجدت تركيا وإيران أنهما قد أصبحتا فجأة تصطفان في نفس الجبهة في الصراع، إذ كلتاهما تدعم قطر.

تاريخيًّا، كانت قطر تربطها علاقات وثيقة للغاية بأردوغان في تركيا. وكانت كل من الدوحة وأنقرة تدعم حكومة الإخوان المسلمين في مصر تحت حكم مرسي قبل الإطاحة بها في العام 2013 من قبل الجيش المصري. وفيما يتعلق بحزب العدالة والتنمية في تركيا، فإن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين، والتي يجمعها معها تقارب أيديولوجي وثيق، كجماعة إرهابية من جانب العربية السعودية كان أمرًا غير مقبول. لكن أحد الأسباب الذي لا يقل أهمية وراء وقوف تركيا إلى جانب الدوحة هو موقف قطر المؤيد بشكل صريح لحزب العدالة والتنمية أثناء محاولة الانقلاب، حيث استخدم أمير قطر آل ثاني بشكل صريح عبارة “جمهورية تركيا الشقيقة” عند تعبيره عن تضامن قطر.[57] وقد أشاد أردوغان بنفسه بدعم قطر، وقال “يجب أن أذكر اسم أمير قطر؛ الذي اتصل بي باستمرار [في ليلة محاولة الانقلاب ليطمئن علي]”.[58] وبالمجمل، فنظرًا لأن سياسة تركيا الخارجية أصبحت تقوم بشكل متزايد على صيانة بقاء النظام بعد محاولة الانقلاب (على نحو يتساوق مع أطروحة ستيفن ديفيد حول التوازن الجمعي)، فقد اختار أردوغان الوقوف إلى جانب قطر وإيران، الدولتين اللتين قدمتا له دعمًا صريحًا أثناء محاولة الانقلاب.

وعلى الصعيد الاقتصادي، وحتى قبل وقوع الأزمة، كانت العلاقات بين قطر وتركيا مزدهرة. وبينما كانت هذه العلاقات الاقتصادية تتطور منذ فترة طويلة منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، فإن مناصرة قطر لأردوغان في فترة ما بعد الانقلاب قد أعطت هذه العلاقات الاقتصادية دفعة قوية حيث وقعت تركيا المزيد من الصفقات التجارية والاستثمارية مع قطر.[59] وبحلول العام 2017، كانت الشركات التركية تتولى إنجاز مشاريع تبلغ قيمتها حوالي 11.6 مليار دولار في قطر، معظمها مشاريع تتعلق ببطولة كأس العالم لكرة القدم التي من المقرر أن تستضيفها قطر في العام 2022، بينما استثمرت قطر أكثر من 20 مليار دولار في تركيا، لتصبح ثاني أكبر دولة مستثمرة في تركيا،[60] فيما تحتل تركيا المرتبة السابعة بين الدول المُستقبِلة لاستثمارات الدوحة الخارجية.[61] كما تضاعف حجم التجارة بين قطر وتركيا تقريبًا بين العامين 2012 و 2016 من 339.5 مليون دولار إلى 710 مليون دولار.[62] كذلك قررت تركيا نشر قوات في قطر فيما بدا أنه تصعيد في وتيرة موقفها المؤيد لقطر ضد العربية السعودية.

وبالنسبة لإيران، فمنذ ما قبل حالة الصدع في علاقات قطر مع السعودية، كانت علاقاتها مع الدوحة مستعصية على التوصيف الدقيق. وكثيرًا ما تأرجحت صعودًا وهبوطًا. فعلى سبيل المثال، في وقت مبكر من يناير كانون الثاني 2016، أعلنت قطر أنها ستسحب سفيرها من إيران بعد أن هاجم مئات الإيرانيين المنشآت الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد ردًّا على إعدام الشيخ نمر النمر.[63] وفي وقت سابق من مارس آذار 2015، أعلنت قطر أيضًا أنها ستشارك في تنفيذ ضربات جوية بقيادة السعودية على أهداف الحوثيين الموالين لإيران في اليمن.[64] وعلى الرغم من موقف قطر المؤيد للسعودية بدرجة كبيرة تجاه هذه القضايا، فقد كان تبني مواقف واقعية إلى حد كبير أحد السمات المميزة للسياسة الخارجية القطرية. ومن هنا، فعلى الرغم من دعمها التاريخي لأهداف السياسة الخارجية السعودية بشأن إيران في إطار مجلس التعاون الخليجي، فقد اضطرت الدوحة أيضًا إلى الاحتفاظ بدرجة ما من التعاون مع طهران بحكم تقاسمها أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم مع إيران.[65] لذلك، لم تنظر قطر إلى إيران كتهديد بقدر ما كان يفعل السعوديون تقليديًا، فيما يبدو أنه السبب الكامن وراء الخلاف مع دول مجلس التعاون الخليجي. كما رأت إيران في أزمة قطر فرصة لتكوين صداقة مفيدة محتملة، خاصة بالنظر إلى تدهور علاقاتها مع السعودية.

وعند اندلاع الأزمة ، فرضت أربع دول عربية حصارًا تجاريًا على قطر بينما أغلقت أيضًا مجالها الجوي أمام الدوحة. وقبل الأزمة، كان يتم استيراد ما يقرب من 80 بالمائة من احتياجات قطر الغذائية من دول مجلس التعاون الخليجي الكبرى. لكن، بعد الأزمة، حاولت تركيا وإيران سد الفجوة من خلال شحن المواد الغذائية إلى الدوحة.[66] كما فتحت إيران مجالها الجوي أمام الطائرات القطرية التي لم تعد قادرة على المرور عبر المجال الجوي السعودي.[67]

المعارضة المشتركة لدولة كردية

مع وجود قطاع من السكان الأكراد لا يستهان به في كل من إيران وتركيا، فإن إمكانية قيام دولة كردية مستقلة في العراق كانت دائمًا قضية حساسة. على أن كلتا الدولتين قد حافظتا على حد سواء على علاقات ودية مع حكومة إقليم كردستان في شمال العراق. وبالنسبة لتركيا، كانت هذه العلاقات الودية نتيجة مباشرة لعزم أردوغان على إضعاف حزب العمال الكردستاني من خلال ممارسة ضغوط على حكومة إقليم كردستان.[68] وعلاوة على ذلك، فقد ساهمت العلاقات الاقتصادية والتجارية المتنامية بين تركيا وحكومة إقليم كردستان بدرجة كبيرة في التحول الإيجابي في العلاقات. فعلى سبيل المثال، بحلول العام 2009-2010، كان العراق (وبالأساس حكومة إقليم كردستان) بين أكبر الشركاء التجاريين لتركيا.[69] واستنادًا إلى الأرقام التي تم الحصول عليها من جمعية رجال الصناعة والأعمال التركية-العراقية، بلغت قيمة الصادرات التركية إلى العراق عبر معبر الخابور الحدودي 12 مليار دولار في العام 2013 بينما كان الهدف هو زيادة حجم التبادل التجاري إلى 50 مليار دولار بحلول العام 2023.[70] على أن تراجع الصادرات التركية في وقت لاحق إلى 10.8 مليار دولار في العام 2014، و 8.5 مليار دولار في العام 2015، و 7.64 مليار دولار في العام 2016 يعود في جزء كبير منه إلى حالة الاضطراب في العراق. وفي الأشهر العشرة الأولى من العام 2017، تجاوزت الصادرات الأرقام في العام 2016 لتصل إلى 7.66 مليار دولار.[71]

وفي البيئة الأمنية التي أعقبت الانقلاب في تركيا والتي شهدت اعتقال وإقالة مئات الآلاف من الأشخاص، امتدت الحملة الحكومية إلى الناشطين الأكراد. فقد شكّل تصاعد النشاط الكردي تحديًا لحكم أردوغان واستقرار نظامه. وبحلول نوفمبر تشرين الثاني 2016، تم عزل 30 رئيس بلدية كردي، بينما أوقفت الحكومة أيضًا أكثر من 11000 معلمًا عن العمل في المناطق ذات الأغلبية الكردية، وأغلقت 20 وسيلة إعلام كردية على الأقل.[72] وعلى هذه الخلفية المتوترة، أرسل صلاح الدين دميرطاش، الرئيس المشارك المسجون لحزب الشعوب الديمقراطي ذي التوجه الكردي، برسالة من محبسه أعرب فيها عن دعمه الكامل للاستفتاء الذي أجرته حكومة إقليم كردستان العراق بشأن الاستقلال.[73] وفي مقابلة أجراها معه مراسل غربي، قال نائب الرئاسة المشتركة لحزب الشعوب الديمقراطي، هشيار أوزسوي: “تخيل لو أن دولة كردية مستقلة تتاخم حدودك بينما أنت في وطنك لا تسمح للأكراد بالتعليم بلغتهم الأم … إن هذا سيجعل من الصعب جدًّا على [الحكومة التركية] الاستمرار في سياستها الحالية تجاه المسألة الكردية في تركيا’.[74] وهكذا فقد كانت الممانعة لتوجهات الاستقلال الكردي ذات أهمية بالغة.

وفيما يخص إيران، فإن العلاقات بين أكراد العراق وطهران تعود إلى عهد صدام حسين عندما انحاز الأكراد إلى إيران خلال الحرب الإيرانية – العراقية في الثمانينيات.[75] وعلى الصعيد العسكري، بينما كانت حكومة إقليم كردستان العراق تصارع تهديد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كانت إيران من أوائل الدول التي هبت لمد يد العون لها لتفهمها أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يمثّل عدوًّا مشتركًا. وعلاوة على ذلك، فقد كانت التجارة بين إيران وحكومة إقليم كردستان محفزًا مهمًّا للعلاقات؛ فهناك خمسة أسواق حدودية بين المنطقتين إذ يمثّل إقليم كردستان العراق سوقًا مهمة للمصدرين الإيرانيين.[76] وعلى هذا النحو، تجاوز حجم التجارة بين طهران وأربيل عندما بلغ ذروته في العام 2014 8 مليارات دولار، مما يجعل إيران ثاني أكبر شريك تجاري لحكومة إقليم كردستان بعد تركيا.[77] ومن هنا فقد كان إقليم كردستان الحبيس جغرافيًّا (إذ لا يمتلك منفذًا بحريًّا على العالم الخارجي) يعتمد اقتصاديًّا بشكل كبير على تركيا وإيران، مما أجبر حكومة الإقليم على السير على خط رفيع بين تطلعاتها إلى الاستقلال والبقاء على قيد الحياة اقتصاديًّا.

وقد استثار الإعلان عن تنظيم حكومة إقليم كردستان لاستفتاء تحذيرات عنيفة من كل من طهران وأنقرة، إذ زاد من تقارب هاتين القوتين الإقليميتين وجود هدف مشترك في فضاء الشرق الأوسط. وكمؤشر على انتعاش العلاقات بين إيران وتركيا، قام رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، بزيارة أنقرة في أغسطس آب 2017 في أول زيارة من نوعها منذ قيام الثورة الإيرانية في العام 1979. وأشارت صحيفة صباح التركية المؤيدة للحكومة إلى زيارة باقري على أنها علامة على أن “الجانبين مستعدان أكثر من أي وقت مضى للتوصل إلى صفقات في سوريا والعراق”.[78] وصرح باقري لوكالة الانباء الايرانية الرسمية (ايرنا) بأن “هذه الزيارة كانت ضرورية للتشاور والتعاون بشكل أفضل بشأن مختلف القضايا العسكرية والإقليمية”.[79] وخلال هذه الزيارة أوضح الجانبان موقفهما المشترك حول إمكانية إجراء استفتاء كردي (في كردستان العراق بشأن الانفصال) في 25 سبتمبر أيلول 2017. وقال باقري لـ (إيرنا) ، في اجتماعات ضمت الجانبين التركي والإيراني، إن البلدين “شددا على أنه إذا تم إجراء الاستفتاء، فسيكون مصدرًا لسلسلة من التوترات والصراعات داخل العراق، الأمر الذي سيكون له عواقب على الدول المجاورة”.[80]

وبمجرد إعلان نتيجة الاستفتاء، الذي صوّت فيه ما يقرب من 92 بالمائة من ناخبي إقليم كردستان لصالح الاستقلال، أعربت كل من إيران وتركيا عن استياءهما الشديد. وبعد يومين من إعلان نتيجة الاستفتاء، أعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، أن إيران ستمارس كل أنواع الضغط على حكومة إقليم كردستان لثنيها عن القرار.[81] وفي الثاني من تشرين الأول أكتوبر، في لحظة تاريخية أخرى في مسار العلاقات بين أنقرة وطهران، قام رئيس هيئة الأركان العامة التركية، الجنرال خلوصي أكار، بزيارة طهران حيث التقى مسئولين إيرانيين رفيعي المستوى للتباحث بشأن القضايا الإقليمية. وقد شكلت قضية استفتاء انفصال كردستان العراق محور محادثاتهم.[82] وبينما خفت حدة التوتر عقب إلغاء نتائج الاستفتاء بين حكومة إقليم كردستان من جهة، وإيران وتركيا من جهة أخرى، فقد اتجهت طهران وأنقرة في نهاية الأمر إلى توجيه دعم تام لدور أكبر للحكومة المركزية العراقية نتيجة لمحادثاتهما مع حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، فيما وجه ضربة قوية للعلاقات الإقليمية المتنامية لإقليم كردستان.[83]

العلاقات المضطربة على نحو متزايد مع الولايات المتحدة

نظرًا لأن الاستقرار الداخلي وصيانة بقاء النظام (على نحو يتساوق مع أطروحة ستيفن ديفيد حول التوازن الجمعي) أصبحت المبادئ الموجِّهة فعليًّا لسياسة تركيا الخارجية بعد محاولة الانقلاب في العام 2016، فقد تضررت علاقات أنقرة مع الغرب تضررًا بالغًا جراء دعم الأخيرة الفاتر لأردوغان أثناء وبعد محاولة الانقلاب. وقد طلبت أنقرة من واشنطن التسليم الفوري لغولن، لكن هذا الطلب لم يلقِ إليه أحد بالاً في الإدارة الأميركية. وبينما ضغط أردوغان على الولايات المتحدة بشأن غولن، فقد اتهم أيضًا الجنرال الأمريكي جوزيف فوتيل، قائد عمليات المنطقة الوسطى بالجيش الأميركي، بالوقوف إلى جانب مدبري الانقلاب ووجّه إليه حديثه قائلاً “الزم حدودك […] أنت تنحاز للانقلابيين بدلاً من شكر هذه الدولة التي أحبطت محاولة الانقلاب”.[84] علاوة على ذلك، فإن حقيقة أن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي قد استغرقت ستة أشهر لتقوم بزيارة تركيا بعد محاولة الانقلاب، في حين جاءت الإدانة البريطانية لسوء معاملة المتآمرين في محاولة الانقلاب على عجل، قد ساهم أيضًا في زيادة حدة هذا التوتر.[85]

وعلى الرغم من أن وصول دونالد ترامب إلى السلطة في العام 2017 أحيا آمال الإدارة التركية بشأن احتمال أن تصبح السياسة الخارجية الأميركية أكثر انسجامًا مع المصالح التركية، إلا أن هذه الآمال لم تدم طويلًا. وكان أحد الأسباب المبدئية وراء ذلك هو أن تعاون ترامب في سوريا مع الميليشيات الكردية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قد أثار استياء أنقرة. وقد رد أردوغان على تعاون الأميركيين مع الأكراد بالقول إن واشنطن “تخلق جيشًا إرهابيًّا” وتوعد “بخنقه”.[86] وعلى الرغم من رفض الولايات المتحدة، شنت تركيا عمليتين عسكريتين كبيرتين في شمال سوريا: (1) عملية درع الفرات و (2) عملية غصن الزيتون، حيث شُنَّت الأخيرة تحديدًا لإخلاء المواقع التي يسيطر عليها الأكراد في عفرين. وأعلن أردوغان عن نيته توسيع العمليات شرقًا إلى مَنْبِج، والتي وصفها بأنها “معقل الإرهابيين”.[87] على الرغم من حقيقة أن الجيش الأميركي كان يعزز مواقعه على طول الحدود التركية فيما بدا أنه رد على تحذيرات أنقرة.[88] ورغم استياء أميركا من عمليات تركيا، أعطت روسيا الضوء الأخضر لتركيا في مقابل صمت الأخيرة على قصف الغوطة من قبل الجيشين الروسي والسوري.[89] لقد كان صمت أنقرة تجاه قصف الغوطة مؤشرًا آخر على أن مساعدة الثوار في الأزمة السورية لم يعد هدفًا تتغياه السياسة التركية وأن العلاقات مع روسيا وإيران كانت لها الأولوية على حساب سياسة أنقرة السابقة تجاه سوريا. وقد كان هذا موافقة ضمنية على استمرار حكم الأسد. وهكذا بدأت تركيا في الاقتراب من مجال النفوذ الروسي، مما أحدث تقويضًا للعلاقات بين أنقرة وواشنطن.

وكعلامة على تفاقم المشكلات في العلاقات بين واشنطن وأنقرة، أعلنت تركيا في العام 2016 عن رغبتها في شراء منظومة الدفاع الجوي “إس 400” من روسيا. وفي العام 2017، وقعت تركيا اتفاقًا مع موسكو لتسليم منظومة صواريخ “إس 400” في صفقة تبلغ قيمتها 2.5 مليار دولار.[90] بيد أن الصفقة أغضبت الأميركيين الذين هددوا أنقرة بالعقوبات.[91] وعلى هذه الخلفية، قال أردوغان “لم تعترضوا على موقف اليونان [فيما يتعلق بشرائها لأنظمة “إس 300” من روسيا] ، لكنكم أعلنتم أنكم لن تسمحوا لتركيا بالحصول على “إس 400″. وزعمتم أن الاتصال بروسيا كان خطأً. وهددتم أيضًا أنكم قد تفرضون عقوبات. نحن لن نكون مسئولين عن تقديم أي تبريرات لكم. سنمضي على الطريق الصحيح دون تقديم أي تنازلات من أجل تحقيق أهدافنا”.[92]

ومن ناحية أخرى، كان احتجاز أنقرة لمواطنين أميركيين عاملاً آخر ساهم في تقويض العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والولايات المتحدة. فقد أدى اعتقال القس، أندرو برانسون، بتهمة دعمه لمدبري الانقلاب في العام 2016 إلى حدوث خلاف دبلوماسي بين أنقرة وواشنطن. وبسبب اعتقال برانسون وكذلك التقارب المتزايد لأنقرة مع الروس، وافق مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون في مارس آذار 2018 لإيقاف بيع طائرات “إف 35” لتركيا.[93] كما وافق مجلس الشيوخ الأميركي على مشروع القانون الذي يمنع بيع هذه الطائرات المقاتلة لتركيا.[94] وإثر ذلك بفترة وجيزة، أوقف ترامب تسليم الطائرات إلى تركيا وسط أجواء من تصاعد حدة الخلاف بين واشنطن وأنقرة.[95]

وعلى الجانب الإيراني، كانت العلاقات مع الولايات المتحدة متوترة منذ قيام ثورة 1979 وأزمة احتجاز الرهائن التي أعقبتها. وبعد سنوات من الصخب من قبل إدارة أحمدي نجاد ضد الأميركيين بشأن برنامج إيران النووي المثير للجدل، وجّهت إدارة أوباما بمشاركة الاتحاد الأوروبي صفعة لطهران من خلال مجموعة من العقوبات الشاملة. وبعد مفاوضات طويلة وموافقة ضمنية للمرشد الأعلى الإيراني، آية الله خامنئي، تم التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة في 18 أكتوبر تشرين الأول 2015. وكجزء من هذه الصفقة النووية، كان من المفترض رفع العقوبات القاصمة. غير أنه على الرغم من التزام دول الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير بتخفيف العقوبات، فقد استمرت الولايات المتحدة في فرض العديد من العقوبات المشددة على القطاع المصرفي في إيران حتى في عهد أوباما.[96]

وقد تجددت حالة التوتر مع الولايات المتحدة مع وصول ترامب إلى السلطة. والذي طالما اعتبر خطة العمل الشاملة المشتركة “أسوأ صفقة في التاريخ”.[97] وشن عليها هجومًا عنيفًا في برنامجه الانتخابي، الذي وعد فيه بالانسحاب منها. وبعد وصوله إلى السلطة، بدأت إدارته في استبدال سياسة أوباما تجاه إيران القائمة على التكيف بالمواجهة، سعيًا للتصدي لإيران من خلال حملة متعددة الأوجه من الضغط الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري.[98] لقد كانت إدارة ترامب مستاءة بشكل خاص من الوجود العسكري المتنامي لإيران في منطقة الشرق الأوسط إلى جانب جهود طهران الدؤوب لتطوير الصواريخ الباليستية. وبالأخير، في يونيو حزيران 2018، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من خطة العمل الشاملة المشتركة، على نحو لم يمثّل صدمة للمجتمع الدولي فحسب، بل كذلك للساسة الإيرانيين. كما أعلن فرض عقوبات منفردة على إيران، على نحو سرعان ما تسبب في إجبار العديد من الشركات الأوروبية التي تستثمر في إيران على التخلي عن تعاقداتهم مع الإيرانيين. وإثر ذلك مباشرة، أعلنت الشركات الأوروبية مثل ميرسك وتوتال أنها ستنسحب من إيران.[99]

وكان مما أثار حفيظة إدارة ترامب في الآونة الأخيرة، إعلان أنقرة على منوال الاتحاد الأوروبي معارضتها لانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. وفي اتصال هاتفي جمعه مع روحاني فور انسحاب ترامب، أعرب أردوغان عن حرصه على التمسك بالاتفاق والحفاظ على العلاقات الاقتصادية المزدهرة بين البلدين.[100] بيد أن العقوبات الثانوية[101] التي تفرضها الولايات المتحدة على جميع الكيانات التي تتعامل مع إيران ترفع من مخاطر التأثير سلبًا على حجم التبادل التجاري بين أنقرة وطهران.[102] على أن ما هو أكثر أهمية أنه بالنظر إلى أن كلاًّ من طهران وأنقرة لديهما مظلومية خاصة من إدارة ترامب، فمن المرجح ألا تتضرر علاقتهما المتنامية بشكل كبير، والتي تتمحور على نحو خاص حول مجال النفوذ الروسي، على المدى القصير أو حتى على المدى المتوسط.

خاتمة:

تشهد العلاقات الثنائية بين أنقرة وطهران دفعة كبيرة منذ محاولة الانقلاب في العام 2016. ومنذ ذلك الحين، وبينما أصبح سلوك السياسة الخارجية التركية يتمركز بشكل متزايد حول صيانة بقاء حزب العدالة والتنمية في السلطة، فقد خلق أيضًا فرصًا للتقارب مع إيران. وفي حين أن الحرب الأهلية السورية قد أحدثت في السابق انقسامات حادة في الشرق الأوسط بين إيران وتركيا، فإن أنقرة لم تعد تبشِّر بالإطاحة بالأسد في أعقاب محاولة الانقلاب. وبدأت في التعاون المباشر مع إيران وروسيا وسوريا للتوصل إلى حل للصراع. كما خلقت أزمة قطر والاستفتاء على استقلال كردستان العراق في سياق المناخ السياسي ما بعد الانقلاب في تركيا أسسًا قوية لتطوير العلاقات بشكل كبير بين أنقرة وطهران. كما تعززت هذه الدفعة في العلاقات الثنائية بسبب ما تحمله كلا البلدين من مشاعر المظلومية لأسباب تخص كلاًّ منهما تجاه إدارة ترامب في الولايات المتحدة، وتزايد ميل أنقرة إلى الانجذاب إلى مجال النفوذ الروسي.

وعلى المستوى النظري، تؤكد هذه الورقة صحة نظرية ستيفن ديفيد حول التوازن الجمعي، التي تحاجّ عن أن قرار بناء التحالفات في العالم الثالث لا يتوقف فقط على اعتبارات التهديدات الخارجية، ولكن بالأحرى أن التهديدات الداخلية للأنظمة يمكن أن تجبر القادة على اختيار سياسة الاسترضاء، أي اختيار التحالف مع خصوم ثانويين بحيث يمكن رصد الموارد للخصوم الأساسيين. وبما أن الهدف الرئيس للعديد من قادة العالم الثالث هو البقاء في السلطة، فإنهم يحصنون أنفسهم أحيانًا على حساب مصالح الدولة. وهذا النوع من سلوك الموازنة لا تعرض له نظرية توازن القوى. وبتطبيق هذه النظرية على التوازن الاستراتيجي لتركيا مع إيران، فقد قدمت هذه المقالة أيضًا بعض التدقيقات النظرية حول التوازن الجمعي: (1) إذ يمكن أن يحدث التوازن الجمعي عندما لا يواجه القادة أزمة شرعية (2) كما يمكن أيضًا أن يحدث التوازن الجمعي في أجزاء من العالم الثالث لم تكن مستعمرة من قَبْل من قِبَل قوى أجنبية ولديها استمرارية في تقاليد الدولة مثل تركيا. وفي حين استخدم هذا البحثُ هذا الإطارَ المنقَّحَ في سبر أغوار العلاقات التركية – الإيرانية، كذلك يمكن لمزيد من الأبحاث أيضًا استقراء العلاقات التركية – الروسية استنادًا إلى الإطار النظري نفسه.

وعلى الرغم من أن الوضع الراهن يبشّر باستمرار هذه العلاقات المتنامية بين إيران وتركيا على المدى القصير أو حتى المتوسط، إلا أنه لا بد من الأخذ في الاعتبار أن حجم التهديدات الداخلية في تركيا هو الذي مهد الطريق أمام التقارب المستمر مع إيران. على أنه على البلدين توقع مواجهة عدد من التحديات المقبلة مستقبلاً.فبادئ ذي بدء، على الرغم من أن تركيا لم تعد تستخدم خطاب “تغيير النظام” في سوريا ضد الأسد، إلا أن طهران لا تزال مستاءة من الوجود العسكري لأنقرة في شمال سوريا، بما في ذلك عفرين.[103] وبما أن إيران ملتزمة بالحفاظ على حالة الاستقرار في سوريا لأسباب استراتيجية، فمن المرجح أن يكون أي تصعيد للصراع الجاري مكلفًا بالنسبة لطهران. ثانيًا، على الرغم من استياء تركيا من انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، فمن المرجح أن تلتزم أنقرة بالامتثال للعقوبات الأميركية الأخيرة حتى لا تزيد من تدهور علاقاتها مع واشنطن. وقد كانت بوادر هذا الامتثال مشاهدة للعيان بالفعل. فاعتبارًا من مايو أيار 2019، أغلقت تركيا موانئها أمام النفط الإيراني، في امتثال تام للعقوبات الأميركية.[104] وقبل مايو أيار 2018، وهو تاريخ انتهاء مهلة الإعفاء الأميركي الممنوح لتركيا لاستيراد النفط الإيراني، كانت تركيا تستورد 47 بالمائة من كامل احتياجاتها النفطية من إيران، في حين انخفض هذا الرقم إلى 12 بالمائة بحلول مايو أيار 2019.[105] بيد أنه على الرغم من امتثال تركيا للعقوبات الأميركية على إيران، ظلت العلاقات الدبلوماسية بين طهران وأنقرة على سيرتها الأولى.

علاوة على أنه على الرغم من أن علاقات تركيا مع الغرب قد شهدت في الآونة الأخيرة تعثرات جمة، إلا أنه إذا كان بالإمكان أخذ درس من التاريخ فيما يتعلق بعلاقات تركيا الراهنة المزدهرة مع موسكو، فإنه يؤكد على أن العلاقات العثمانية – الروسية كثيرًا ما اتسمت بالتوتر والصراع. ومن ثم يبقى أن نرى ما إذا كان انجذاب تركيا تجاه دائرة النفوذ الروسي من المرجح أن تكون ذات جدوى لتركيا على المدى الطويل، أم إذا كان من المحتمل أن تطفو التوترات على السطح في المستقبل المنظور.

وأخيرًا، فإن علاقات تركيا مع معظم دول الشرق الأوسط أيضًا تتسم بطابع صراعي إلى حد بعيد، بما في ذلك مصر والعراق وسوريا ودول مجلس التعاون الخليجي (بالتغاضي عن قطر)، وكذلك مع العديد من حلفائها في حلف شمال الأطلسي (النيتو). ومن ثم فإنه من غير المنطقي ألا تجمع تركيا علاقة جيدة بإيران، خاصة بالنظر إلى وجود قدر من القواسم الإقليمية المشتركة، التي نشأت في المقام الأول كنتيجة للتهديدات الداخلية للنظام في تركيا. ويبقى أنه إذا تضاءلت التهديدات الداخلية لنظام أردوغان، فقد تعيد تركيا تقييم علاقاتها مع إيران. والعامل الآخر هو إمكانية إصلاح تركيا ما فسد في علاقاتها مع حلفائها في النيتو، وكيفية التعاطي مع أزمة مجلس التعاون الخليجي. وفي حال وجود أي إمكانية للتقارب بين قطر والعربية السعودية فإن ذلك قد يستحث تركيا أيضًا على إعادة تقييم تقاربها مع طهران. بيد أنه في الوقت الراهن، من المرجح أن تزدهر العلاقات.

Bibliography

Akbarzadeh, Shahram, and James Barry. “Iran and Turkey: Not Quite Enemies but Less Than Friends.” Third World Quarterly 38, no. 4 (2017): 980–995.

Aras, Bülent. “Turkish Foreign Policy After July 15.” Istanbul Policy Center. February 2017. https://tinyurl.com/yybwv3ya.

Azizi, Hamidreza. “How US Sanctions Facilitate Turkish-Iranian Understanding on Syria.” Al-Monitor, May 8, 2018.

Cupolo, Diego. “It’s Never a Good Time for the Iraqi Kurds to Become Independent.” The Atlantic, September 27, 2017.

Dalacoura, Katerina. A New Phase in Turkish Foreign Policy: Expediency and AKP Survival. Future notes, 4. Istituto Affari Internazionali (IAI), Rome, Italy. 2017. 1–5.

Dalay, Galip. “The Limits of Transactionalism in Turkey-Kurdistan Relations.” The Middle East Eye, January 12, 2018.

David, Steven R. “Explaining Third World Alignment.” World Politics 43, no. 2 (January 1991): 233–256.

Dehghan, Saeed Kamali. “Rouhani Meets Erdogan as Regional Conflicts Strain Iranian-Turkish Ties.” The Guardian, April 7, 2015.

El Deeb, Sarah. “US Forces in Syria seen Setting up New Front-line Positions.” AP News, April 4, 2018. https://apnews.com/339b22f589ba46cf999a6ec7c0f927de.

Elias, Firas. “Why Does Iran Fear Turkey’s Military Operation in Afrin?” The Washington Institute, February 27, 2018. https://tinyurl.com/y6pcl2da.

Erdbrink, Thomas. “For Iran, Qatar Crisis is a Welcome Distraction.” The New York Times, July 4, 2017.

Girit, Selen. “Why is Turkey Standing up for Qatar?” BBC News, June 14, 2017.

Gülen, Fetullah. “Gülen has Strongly Rejected Comparison to Iran’s Khomeini Time and Again.” no given date, https://tinyurl.com/y4mqtk22.

Harris, David. “Iran Sanctions update: Guidance for Financial Institutions.” Norton Rose Fulbright, July 2016. https://tinyurl.com/y4pgshla.

Holsti, Ole P., Terrence P. Hopmann, and John D. Sullivan. Unity and Disintegration in International Alliances. Lanham, MD: University Press of America, 1984.

Hunter, Shireen. “What the Turkish Coup Means for Iran.” Lobe Log, July 25, 2016. https://lobelog.com/what-the-turkish-coup-means-for-iran/.

Inat, Kemal. “Ekonomik İşbirliği Örgütü’nün 30. Yılında Türkiye-İran Ekonomik İlişkileri.” Seta|Siyaset, Ekonomi ve Toplum Araştirmalari Vakfi. No 132, July 2015. https://tinyurl.com/y4mv3wl8.

Jafari, Saeid. “After Tumultuous History, what’s Next for Turkish-Iranian Relation?” Al-Monitor, September 11, 2015. https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2015/09/iran-turkey-relations.html.

Kalehsar, Omid Shokri. “Beyond The Deal: Turkish-Iranian Energy Relations In The Post-Sanctions Era.” Lobe Log, October 16, 2018. https://tinyurl.com/y5moqlrs.

Kellner, Thierry, and Mohammad Reza-Djalili. L’Iran et la Turquie face au «printemps arabe»? GRIPS: Brussels, 2012.

Kenar, Ceren. “Mr. Erdogan Goes to Tehran.” Foreign Policy, April 10, 2015. https://foreignpolicy.com/2015/04/10/is-turkey-friends-with-iran-or-at-war/.

Khajehpour, Bijan. “Five Trends in Iran-Turkey Trade, Energy Ties.” Al-Monitor October 31, 2013. https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2013/10/iranturkey-trade-energy-ties-increase-five-reasons.html.

Kheel, Rebecca. “Overnight Defense: Senate sends $717B annual defense bill to Trump’s desk.” The Hill. August 1, 2018.

Kirisçi, Kemal. Turkey and the West: Fault Lines in a Troubled Alliance. Washington, DC: Brookings Institution Press, 2017.

Landale, James. “What do Trump’s Words on Iran Mean for US/UK Relations?” BBC News, October 17, 2017. https://www.bbc.com/news/uk-41595827.

Majumdar, Dave. “Turkey Wants Russia’s S-400 Air Defense System.” The National Interest, March 8, 2018.

Maloney, Suzanne. “Under Trump, U.S. Policy on Iran is Moving from Accommodation to Confrontation.” Brookings Institution, May 11, 2017. https:// tinyurl.com/y6kwpdj6.

Mankoff, Jeffrey. “A Friend in Need? Russia and Turkey after the Coup.” Center for Strategic and International Studies, July 29, 2016. https://www.csis.org/analysis/friend-need-russia-and-turkey-after-coup.

Mlla Drwish, Sardar. “Turkey’s Operation Olive Branch Threatens to Worsen ArabKurdish Relations.” The Atlantic Council, March 23, 2018. https://tinyurl.com/ yy8anv88.

Morgenthau, Hans J., Kenneth W. Thompson, and David Clinton. Politics Among Nations. 7th ed. Boston: McGraw-Hill Education, 2005.

Nordland, Rod. “On Northern Syria Front Line, U.S. and Turkey Head Into Tense Face-off.” The New York Times, February 7, 2018.

Osborne, Samuel. “Qatar Crisis: Iran Begins Food Aid Flights into Nation Isolated by Arab-neighbours.” The Independent, June 11, 2017.

Özbudun, Ergun. “AKP at the Crossroads: Erdoğan’s Majoritarian Drift.” South European Society and Politics 19, no. 2 (April 3, 2014): 155–167.

Özkan, Fadime. “ SETA Uzmanı Can Acun: İran Şii maskesiyle Neo-Pers arayışta.” Star, December 19, 2016. https://tinyurl.com/y5lagkpo.

Paksoy, Yunus. “Iranian Chief of Staff Visits Ankara as Common Stance Sought in Idlib, Afrin.” The Daily Sabah, August 14, 2017.

Qiblawi, Tamara, Mohammed Tawfeeq, Elizabeth Roberts, and Hamdi Alkhshali. “Qatar Rift: Saudi, UAE, Bahrain, Egypt Cut Diplomatic Ties.” CNN.com, July 27, 2017. https://tinyurl.com/y6r3jass.

Republic of Turkey (Ministry of Foreign Affairs). “Irak’in Ekonomisi.” no date given, http://www.mfa.gov.tr/irak-ekonomisi.tr.mfa.

Secretariat General of the Presidency of the Republic of Turkey. “July 15 Coup Attempt in Turkey and People’s Victory.” 2018. https://tinyurl.com/yyd2sfxu.

Seligman, Lara. “Trump Blocks Fighter Jet Transfer Amid Deepening U.S.-Turkey Rift.” Foreign Policy, August 13, 2018. https://tinyurl.com/y6kmmjo8.

Sevinç, Özgenur. “Turkey, Iran to Continue Cooperating to Find way out of Syrian Crisis.” Daily Sabah, April 18, 2019.

Sezer, Can. “Despite Rhetoric, Turkey Complies with U.S. Oil Sanctions on Iran.” Reuters, May 21, 2019.

Seznec, Jean-François. “Sharing a Pot of Gold: Iran, Qatar, and the Pars Gas Field.” MEI Policy Focus, August 2016., https://tinyurl.com/y5veqnj3.

Shine, Sima, and Gallia Lindenstraus. “The Failed Coup Attempt in Turkey: A Boost for Iran-Turkey Relations.” INSS Insight, 839, July 31, 2016. https://tinyurl.com/ y2frkhv9.

Soltani, Khosrow. “Erdogan in Tehran: It is not all about the Economy.” Al-Jazeera English, April 7 2015.

Tabatabai, Ariane. “Iran and the Kurds: What the Referendum Means for Tehran.” Foreign Affairs, September 26, 2017. https://tinyurl.com/y39ysue4.

Tait, Robert. “‘Iran is our Friend,’ says Turkish PM Recep Tayyip Erdogan.” The Guardian, 26 Oct, 2009.

Ünal, Serhan, and Eyüp Ersoy. “Political Economy of Turkish-Iranian Relations: Three Asymmetries.” Ortadoğu Etütler 5, no. 2 (2014): 141–164.

Uyanik, Mehmet. “Turkey and the KRG After the Referendum: Blocking the Path to Independence.” Center for Strategic and International Studies, November 22, 2017. https://tinyurl.com/y5c9hpto.

Waltz, Kenneth. Theory of International Politics. Reading, MA: Addison-Wesley, 1979.

Wintour, Patrick, and Daniel Boffey. “EU Sets Course for US Clash with Law Blocking Iran sanctions.” The Guardian, May 17, 2018.

Yakış, Yaşar. “US Withdrawal from Iran Nuclear Deal will Negatively Affect Turkey.” Ahval News, May 10, 2018.

Yeginsu, Ceylan, and Safak Timur. “Turkey’s Post-Coup Crackdown Targets Kurdish Politicians.” New York Times, November 6, 2016.

Yetkin, Murat. “Turkey Changes Syria Policy with al-Assad Move.” Hürriyet Daily News, August 22, 2016.

[1] يمكن تعريب المصطلح أيضًا تحت عنوان: التوازن الكلي، والتوازن الشامل، والتوازن الكامل. المترجم

[2] Akbarzadeh and Barry, “Iran and Turkey,” 980.

[3] Yeni Safak, “Profesyonel katiller kendi sonlarını yazdı,” June 1,, 2010.

يشير الباحث إلى حادث اعتداء جيش العصابات الصهيونية على ست سفن كانت تحمل على متنها مواد إغاثة ومساعدات إنسانية متجهة لكسر الحصار المفروض على غزة (أسطول الحرية)، وقد أسفر الاعتداء على سفينة مرمرة التركية التي كانت ضمن سفن الأسطول عن استشهاد تسعة وإصابة ستة وعشرين آخرين من النشطاء الذين كانوا على متن السفينة. المترجم

[4] Tait, “Iran is our friend.”

[5] Ünal and Ersoy, “Political Economy.”

[6] Delacoura, “A new phase,” 1, and Aras, “ Turkish Foreign Policy,” 1.

[7] Waltz. Theory, Chapter 6, and Morgenthau, Thompson, and Clinton, Politics Among Nations, Chapter 11.

[8] Holsti et al, Unity and Disintegration.

[9] David. “Explaining Third World,” 235–6.

[10] Ibid., 236.

[11] Ibid., 236.

[12] Özbudun, “AKP at the Crossroads,” 156.

[13] David, “Explaining Third World,” 239.

[14] Mashregh News. “Rooz shomaareh ‘Bidaariyeh Eslami’ dar saleh 2011.” 3 January 2012, available at https://tinyurl.com/yy3nrqpx

[15] Kellner and Reza-Djalili, “Iranian and Turkish Rapprochement,” 58.

[16] BBC News. “Turkish reform vote gets Western backing,” September 13, 2010,

يشير الباحث إلى الاستفتاء الشعبي الذي جرى في الثاني عشر من سبتمبر أيلول 2010 على حزمة من التعديلات الدستورية شملت ست وعشرين مادة، اقترحها حزب العدالة والتنمية الحاكم. وقد صوّت لصالح التعديلات الدستورية 57.9% من المشاركين، وعارضها 42.1%، فيما بلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء رقمًا قياسيًّا ناهز 78% من الناخبين. المترجم

[17] Al-Jazeera Türk. “Erdoğan’ın ‘Arap Baharı’ turu başladı,” September, 20, 2011.

[18] Milliyet. “2 yıllık iç savaşın kronolojisi,” June 1, 2013.

[19] Reuters. “Turkey tells Syria’s Assad: Step Down!,” November 22, 2011,

[20] Akbarzadeh and Barry, “Iran and Turkey,” 985.

[21] BBC Türkçe. “Erdogan İran’ı, Suriye’de ‘mezhepçilik yapmakla’ suçladı,”

December 27, 2015,

[22]  Akbarzadeh and Barry. “Iran and Turkey,” 985.

[23] Khabar Online. “Vakonesheh Erdoghan beh Tavaffogheh Hastei,” July 17, 2015,

available at http://www.khabaronline.ir/detail/437103/World/diplomacy

خطة العمل الشاملة المشتركة الخاصة بتنفيذ الاتفاق النووي الإيراني هي وثيقة الاتفاق الذي أُبرم في فيينا بين إيران حول برنامجها النووي ومجموعة 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة وهي الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين بالإضافة إلى ألمانيا). المترجم

 

[24] Jafari, “After tumultuous history.”

[25] France 24. “Iran FM Zarif postpones Turkey trip at last minute,” August 11,

2015, available at https://tinyurl.com/yxjh9v58

[26] Arabs Today. “President Recep Tayyip Erdogan : Turkey may give ‘logistical’

support,” March 27, 2015.

[27] Reuters. “Turkey’s Erdogan plans to visit Iran but watching Yemen developments,” March 30, 2015.

[28] Kenar “Mr. Erdogan.”

[29] Soltani “Erdogan in Tehran.”

[30] Dehghan, “Rouhani meets Erdogan.”

[31] Kenar, “Mr. Erdogan.”

[32] Iranian Diplomacy, “Vâghiyat, ettehâmat va farziyehâ dar tanesheh lafziyeh Iran va Torkiyeh,” December 13, 2015, available at https://tinyurl.com/ y37d5lea

[33] Ibid.

[34] Inat, “Ekonomik İşbirliği Örgütü.”

[35] Hürriyet Daily News. “Turkey eyes more Iran gas, ‘can’t cut off oil’,” October 18,

2013.

[36] Kalehsar, “Beyond The Deal.”

[37] Khajehpour, “Five Trends in Iran-Turkey.”

[38] BBC News, “Turkey downing of Russia jet ‘stab in the back’ – Putin,” November 25, 2015.

[39]  Press TV. “President Rouhani urges Russia, Turkey restraint over downing of

plane” November 25, 2015, available at https://tinyurl.com/yyrpl9u8

[40] Aras, “ Turkish Foreign Policy,” 1

[41] TRT Haber, “FETÖ’den kaç kişi tutuklandı? İşte bilanço”, January 2, 2017,

http://www.trthaber.com/haber/gundem/fetoden-kac-kisi-tutuklandi-istebilanco-291583.html

[42]  BBC News. “Turkey coup attempt: Pride and fear one month one,” August 15,

2016,

[43] Reuters. “Regional rival Iran expresses support for Turkey over coup attempt,”

July 16, 2016.

[44] Hunter, “What the Turkish Coup Means.”

[45] Gülen, “Gülen has strongly rejected.”

[46] Shine and Lindenstraus. “The Failed Coup Attempt.”

[47] Mankoff. “A Friend in Need?”

[48] Yetkin, “Turkey changes Syria policy”

[49] ذهب مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية “سيتا”، وهو مركز للأبحاث والدراسات مؤيد لحزب العدالة والتنمية، إلى أن إيران تتبنى سياسات إحياء إمبراطورية فارسية جديدة في سوريا. انظر

Özkan, “SETA Uzmanı Can Acun.”

[50] TGRT Haber. “Türkiye ile İran Halep’i görüştü”, December 16, 2016, available at http://www.tgrthaber.com.tr/politika/turkiye-ile-iran-halepi-gorustu-155580

[51] Sevinç, “Turkey, Iran to continue.”

[52] Azizi, “How US sanctions facilitate.”

[53] Ibid

[54] قال ترامب في تغريدة له في 6 يونيو حزيران 2017: “خلال رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، ذكرت أنه لم يعد هناك تمويل للإيديولوجيا الراديكالية. وأشار القادة إلى قطر، قائلين – انظر! ”

https://twitter.com/realDonaldTrump/status/872062159789985792

[55] The National. “The 13 demands on Qatar from Saudi Arabia, Bahrain, the UAE

and Egypt,” June 23, 2017.

[56] Qiblawi et al, “Qatar Rift.”

[57] Secretariat General of the Presidency of the Republic of Turkey “July 15 Coup,”

31

[58] BBC Türkçe. “Darbe girişimi ‘Türkiye ve Katar’ı daha da yakınlaştırdı,” August

30, 2016.

[59] Ibid.

[60] Al-Jazeera. “Turkey and Qatar: Behind the strategic alliance.” February 1, 2017.

[61] Girit, “Why is Turkey.”

[62] Republic of Turkey “Turkey-Qatar Economic.”

[63] Gulf Business. “Qatar withdraws ambassador to Iran,” January 7, 2016.

[64] Doha News. “Qatar joins Saudi-led bombing campaign of Houthi targets in Yemen,” March 26, 2015

[65] Seznec, “Sharing a Pot of Gold”

[66] Osborne, “Qatar crisis”

[67] Erdbrink, “For Iran, Qatar Crisis”

[68] Kirisçi, Turkey and the West, 71

[69] Dalay, “The limits of transactionalism.”

[70] Yesil Logistikler. “Çatışma ortamı biter ve istikrar sağlanırsa Türkiye-Irak Ticareti 50 Milyar Dolara Yükselir,” August 6, 2014, available at https://tinyurl.com/ yxpo6whh

[71] Republic of Turkey. “Irak’ın Ekonomisi.”

[72] Yeginsu and Timur, “Turkey’s Post-Coup.”

[73] Rudaw. “A letter on the referendum: Demirtas encourages ‘open’ talk between leaders,” September 24, 2017.

[74] Cupolo, “It’s Never.”

[75] Tabatabai. “Iran and the Kurds.”

[76] Financial Tribune Iran, “Evaluating Economic Impact of Shifting Iran-KRG Relations,” October 21, 2017, available at https://tinyurl.com/y4h8w84g

[77] Rudaw. “KRG and Iran sign trade deals worth up to $200 million,” August 13, 2017.

[78] Paksoy, “Iranian chief of staff.”

[79] Daily Sabah. “President Erdoğan receives Iranian chief of staff with regional issues on the table,” August 17, 2017.

[80] Rudaw. “Iran, Turkey warn Kurdistan referendum will cause ‘conflict’ in Iraq,” August 17, 2017.

[81] Mehr News. “Shamkhani Estratezhiyeh Iran baraayeh moghabeleh ba estaghlaleh Kordestan ra tashkil kard” August 2017, available at https://tinyurl.com/ y4zj5h28

[82] Hürriyet Daily News. “Turkey’s top general Akar visits Iran amid Iraq crisis,” October 2, 2017.

[83] Uyanik, “Turkey and the KRG.”

[84] BBC News. “Turkey’s Erdogan to drop lawsuits against people who insulted him,” July 30, 2016.

[85] BBC News. “Turkey targets Kurdish forces”

[86] BBC News. “Turkey targets Kurdish forces in Afrin: The short, medium and long story,” January 22, 2018.

[87]  Nordland, “On Northern Syria Front Line.”

[88] El Deeb, “US forces in Syria.”

[89] Mlla Drwish, “Turkey’s Operation Olive Branch”

[90] BBC Türkçe. “Erdoğan’dan S-400 açıklaması: Anlaşma tamam, defter kapandı,” April 3, 2018.

[91]  Majumdar, “Turkey Wants Russia’s S-400.”

[92] TASS Russian News Agency. “Erdogan vows not to cancel S-400 deal with Russia despite likely sanctions,” March 6, 2018, http://tass.com/defense/992944

[93] Ahval News. “Turkey condemns U.S. bill that could bar F-35 sale,” May 25,

2018.

[94] Kheel, “Overnight Defense.”

[95] Seligman, “Trump Blocks Fighter Jet”

[96] Harris, “Iran sanctions update.”

[97] Landale. “What do Trump’s words.”

[98] Maloney. “Under Trump, U.S. policy.”

[99] Wintour and Boffey. “EU sets course for US.”

[100] Daily Sabah.“Erdoğan discusses nuclear deal with Iran’s Rouhani,” May 10, 2018.

[101] تُلزم هذه العقوبات الشركات التي تمارس أعمالاً تجارية في إيران بالاختيار بين الشراكة مع الولايات المتحدة أو إيران، مما يجبر كثيرًا منهم في نهاية المطاف على التخلي عن تعاقداتهم مع الإيرانيين من أجل عدم فقدان الفرصة في القيام بأعمال تجارية في الولايات المتحدة.

[102] Yakış, “US withdrawal from Iran.”

[103] Elias, “Why Does Iran Fear.”

[104] Sezer, “Despite rhetoric.”

[105] Ibid.

رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M