السلام خيار مصر الاستراتيجي لحل القضية الفلسطينية.. من “السادات” إلى “السيسي”

د. غادة عبد العزيز

 

في خضم استغلال الاحتلال الإسرائيلي الدعم الأمريكي والغربي له للدفاع عن النفس، تجاوز هذا الأمر بشكل سافر لتنفيذ سياسة الأرض المحروقة والعقاب الجماعي، بشن عمليات انتقامية وحرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، وترديد دعوات التهجير القسري لأهالي قطاع غزة، وتطبيق حصار قاتل على أهالي قطاع غزة، واستهداف مئات الفارين في مدارس الأونروا، وكذلك المنشآت الطبية لاسيما ارتكابه لمجزرة مستشفى المعمداني في غزة، مما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا بقطاع غزة إلى أكثر من 4100 شهيد، وإصابة أكثر من 13000 آخرين، غالبيتهم من النساء والأطفال، وأكثر من ألف مفقودين تحت الأنقاض.

هذا إلى جانب تردي الوضع الانساني في ظل النقص الحاد في الغذاء والدواء والماء والوقود، وانهيار القطاع الصحي وسط استهداف أغلب منشآته من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، ليتحول بذلك قطاع غزة إلى منطقة منكوبة يعاني فيها نحو 2.3 مليون مواطن من كارثة إنسانية محدقة، في ظل تعنت الاحتلال الإسرائيلي ورفضه فتح ممرات آمنة لعبور المساعدات الانسانية والإغاثية العاجلة للمدنيين في قطاع غزة.

وفي ضوء هذه التطورات المتسارعة التي تمثل تهديدًا لحياة الشعب الفلسطيني، وتهديدًا للأمن والاستقرار الإقليمي، وتنذر بتداعيات جمة على الأمن والسلم العالمي، وفي إطار مساعي مصر الدائمة للسلام من خلال الدفع بجهود إقليمية ودولية منسقة لدفع الجهود الرامية للسلام؛ أكدت مصر أن السلام هو خيارها الاستراتيجي للحفاظ على مقدرات وحقوق الشعب الفلسطيني الشرعية، في إطار مبدأ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا للمبادرة العربية للسلام لعام 2002، ومقررات الشرعية الدولية بهذا الشأن.

وأكدت مصر عقيدتها الراسخة والثابتة بأن تعلو أصوات السلام، وأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية والمحورية لمصر والأمة العربية، وأن التسوية العادلة والشاملة هي السبيل الوحيد لإنهاء حلقة العنف المفرغة في المنطقة، وتحقيق السلم والأمن الإقليميين والدوليين؛ إذ إن هذه الحلقة المفرغة من العنف لا تنتهي وتظل تتجدد بين الحين والآخر، لعدم معالجة أسباب الأزمة الحقيقة لها والمتمثلة في استمرار الاحتلال وسياساته وإجراءاته التي تزيد من معاناة الشعب الفلسطيني بشكل يومي جراء الفصل العنصري في الصفة الغربية والقدس، وانتهاكات المستوطنين في الاراضي المقدسة، وغياب أي أفق سياسي للحل يُمكّن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة، مما يزيد من حدة الاحتقان في ظل غياب مسار السلام.

وحذرت القاهرة من مغبة استمرار هذا الوضع والتصعيد المستمر، في ظل سعي أطراف متعددة للحيد بالقضية الفلسطينية عن مسارها الساعي إلى إقرار السلام القائم على العدل ومبادئ اتفاقات أوسلو والمبادرة العربية للسلام، ومقررات الشرعية الدولية، مع الرفض الواضح والصريح لأي محاولات للتهجير القسري الفلسطينيين من أرضهم، والتي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وإفراغها من مضمونها.

وفي هذا الإطار، دعت مصر إلى عقد قمة إقليمية دولية لبحث مسار التهدئة ووقف إطلاق النار والعدوان الإسرائيلي على غزة، ورفع المعاناة عن الفلسطينيين، وتوفير النفاذ الآمن للمساعدات الإنسانية والإغاثية لهم بصورة عاجلة، هذا إلى جانب بحث تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية وعملية السلام. ويأتي انعقاد القمة تنفيذًا لمقررات اجتماع مجلس الأمن القومي المصري، برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أعلن مواصلة الاتصالات مع الشركاء الدوليين والإقليميين من أجل خفض التصعيد ووقف استهداف المدنيين، وشدد على أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين، مع رفض واستهجان سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار.

وعلى مر التاريخ، كانت القضية الفلسطينية مركزية بالنسبة لمصر، وسعت مصر جاهدة إلى إرساء السلام والبحث عن حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية؛ إذ تسعى مصر إلى السلام كخيار استراتيجي، وهو اتجاه راسخ في العقيدة المصرية، تجاه التعامل مع الصراع العربي– الإسرائيلي، ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، انطلاقًا من رؤيتها الراسخة بأن التسوية العادلة والشاملة هي سبيل تحقيق السلم والأمن الدائمين في المنطقة، والتعايش السلمي، بما يتيح لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين حياة آمنة خارج دائرة العنف المفرغة، من منطلق حقيقة أن السلام العادل يحول دون تأجج الصراعات ومسار التصعيد المتوالي.

ويوضح العرض التالي أبرز الجهود المصرية منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات وحتى إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الهادفة إلى إرساء عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، وانهاء الاحتلال الإسرائيلي، والتي يمكن البناء عليها لاستعادة الحقوق الفلسطينية، وتمهيد الطريق لإمكانية تحقيق الاندماج والتعايش السلمي في المنطقة بين إسرائيل والأمة العربية، وفقًا لمبادئ مباحثات كامب ديفيد عام 1978، واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1779، والتي استلهمها مؤتمر مدريد للسلام، واتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، واتفاقيات أوسلو1 و2.

إرساء السلام كخيار استراتيجي في عهد الرئيس الراحل أنور السادات

في 28 سبتمبر عام 1972، كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات أول من اقترح ضرورة إقامة حكومة فلسطينية مؤقتة، ردًا على ادعاءات رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير آنذاك بعدم وجود الشعب الفلسطيني.

وكانت حرب 1973 هي الخطوة الأولى لاستعادة الحق وإرساء السلام، إذ هيأت هذه الحرب الأساس لصالح إبرام سلام شامل وعادل للمنطقة.

وخلال القمة العربية السادسة التي عقدت في نوفمبر 1973 بالجزائر، تم إقرار شرط للسلام مع إسرائيل، وهو انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وفي مقدمتها القدس، وساعدت مصر بقوة جهود منظمة التحرير الفلسطينية، حتى تمكنت من الحصول على اعتراف كامل من الدول العربية بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

خلال القمة العربية التي عُقدت في أكتوبر 1974 في الرباط، اتفقت مصر وكافة الدول العربية على تأكيد حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، مع تأكيد الالتزام باستعادة كامل الأراضي العربية المحتلة في عدوان يونيو 1967، وعدم القبول بأي وضع من شأنه المساس بالسيادة العربية على مدينه القدس. وفي نوفمبر نتيجة للجهود المصرية أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار رقم 3236 على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك حق تقرير المصير وحق الاستقلال وحق العودة.

وبناء على طلب تقدمت به مصر عام 1975، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر عام 1975 قرارها رقم 3375 بدعوة منظمة التحرير الفلسطيني للاشتراك في جميع المؤتمرات المتعلقة بالشرق الأوسط.

وفي يناير عام 1976، تقدمت مصر بطلب رسمي إلى وزيري خارجية الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي بوصفهما رئيسي المؤتمر الدولي للسلام لدعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك في المؤتمر عند استئناف نشاطه، أيضا طلبت مصر مرتين خلال شهري مايو وأكتوبر من مجلس الأمن النظر بصفة عاجلة في الأوضاع السائدة في الأراضي المحتلة، وأصدر المجلس بيانين تم التوصل إليهما بتوافق الآراء بإدانة سياسات وممارسات إسرائيل، واعتبارها إجراءات باطلة وعقبة في طريق السلام. وفي سبتمبر، تمت الموافقة بإجماع الأصوات على اقتراح تقدمت به مصر بمنح منظمة التحرير الفلسطينية العضوية الكاملة في جامعة الدول العربية، وبذلك أصبح للمنظمة الحق في المشاركة في المناقشات وفي صياغة واتخاذ القرارات المتعلقة بالأمة العربية بعد أن كان دورها يقتصر على الاشتراك في المناقشات حول القضية الفلسطينية فقط.

ثم جاء خطاب الرئيس الراحل أنور السادات الشهير في الكنيست الإسرائيلي في نوفمبر عام 1977 كخطوة استراتيجية نابعة من مسار استراتيجي يدل على سعي مصر إلى إرساء السلام القائم على العدالة وليس احتلال ارض الغير، وأن مصر لن تتراجع في الدفاع عن الحقوق العربية المشروعة؛ فقد أكد “السادات” أمام الكنيست الإسرائيلي مصداقية التوجه المصري نحو السلام الشامل، ووقف نزيف الدم، وتحقيق الآمال المشروعة للشعب المصري والشعب الفلسطيني والشعب الإسرائيلي والأمة العربية، وتحدث بقوة عن الحقوق العربية والفلسطينية العادلة والمشروعة، وطرح خطة مفصلة لتسوية النزاع في المنطقة شكلت مرتكزًا ثابتًا لتحرك الدبلوماسية المصرية خلال المباحثات اللاحقة وضرورة الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، بالإضافة إلى العودة إلى حدود ما قبل عام 1967.

ويمكن أن نوجز أبرز الحقائق التي عرضها الرئيس السادات أمام الكنيست الإسرائيلي:

أن دعوة السلام العادل، المبني على احترام قرارات الأمم المتحدة، أصبحت اليوم دعوة العالم كله، وتعبيرًا واضحًا عن إرادة المجتمع الدولي سواء في العواصم الرسمية التي تصنع السياسة والقرار أو على مستوى الرأي العام الشعبي، الذي يوثر في صنع السياسة واتخاذ القرار.

أن الأمة العربية لا تتحرك في سعيها من أجل السلام الدائم العادل من موقف ضعف أو اهتزاز بل أنها على العكس تمامًا تملك كل مقومات القوة والاستقرار، ما يجعل كلمتها نابعة من إرادة صادقة نحو السلام صادرة عن إدراك حضاري بأنه لكي نتجنب كارثة محققة، علينا وعليكم وعلى العالم كله، فإنه لا بديل عن إقرار سلام دائم وعادل ودائم.

أن اتفاقًا منفردًا بين مصر وإسرائيل ليس واردًا في سياسة مصر، فليست المشكلة هي مصر وإسرائيل وأي سلام منفرد بينها أو بين أي دولة من دول المواجهة وإسرائيل فإنه لن يقيم السلام العادل الدائم في المنطقة كلها، بل أكثر من ذلك فإنه لو تحقق السلام بين دول المواجهة كلها، وإسرائيل بغير حل عادل للمشكلة الفلسطينية فإن ذلك لن يحقق أبدًا السلام الدائم العادل الذي يلح العالم كله اليوم عليه.

أننا لا نسعى كذلك إلى سلام جزئي بمعنى إنهاء حالة الحرب في هذه المرحلة، ثم نرجئ المشكلة برمتها إلى مرحلة تالية.

إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية التي احتلت في عام 1967

حق كل دول المنطقة في العيش في سلام داخل حدودها الآمنة والمضمونة عن طريق إجراءات يتفق عليها تحقق الأمن المناسب للحدود الدولية.

إنهاء حالة الحرب القائمة في المنطقة.

وجاءت تحركات السادات من منطلق ما يلي:

السلام على الجبهة المصرية سيقتضي سلامًا على الجبهة الأساسية، وهي الجبهة الفلسطينية، وستتاح الفرصة لأول مرة منذ نكبة العرب الكبرى في فلسطين عام 1948 لحل القضية الفلسطينية حلًا عادلًا وشاملًا.

إقامة السلام بين مصر وإسرائيل يؤسس لقيام سلام عربي إسرائيلي شامل، الأمر الذي يعني أن حرب السادس من أكتوبر عام 1973، تكون آخر الحروب العربية الإسرائيلية.

تحقيق السلام سيأتي بالرفاة الاقتصادي، والتنمية.

إرساء إطار السلام العربي / الإسرائيلي بمؤتمر كامب ديفيد 1978: حيث وضع الرئيس “السادات” مبادئ السلام واضحة جلية، من أجل التحرير الشامل لكل شبر من الأراضي العربية، وقد تحدث الرئيس السادات عن الاستراتيجية التي حكمت مسار محادثات كامب ديفيد، والتي كانت تسير في خطين متوازيين:

اتفاق إطار السلام الذي يضع الأسس لاتفاق سلام مع جميع الأطراف العربية “سوريا، الأردن، مصر، لبنان، وفلسطين”.

إطار الاتفاق لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل كأساس للمباحثات بينهما، من أجل معاهدة السلام.

لذ كانت مباحثات كامب ديفيد ورقة عمل، كأساس للوصول بأزمة الشرق الأوسط إلى اتفاق يضمن الحل الشامل العادل ويشمل كافة أطراف النزاع العربي الإسرائيلي. وقد تبلور الموقف المصري في شكل مشروع متكامل للسلام العربي الإسرائيلي، كما يلي: 

الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة، وإزالة المستوطنات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة طبقا لجدول زمني.

ضمان الأمن والسيادة والسلام الإقليمي والاستقلال السياسي لكل دولة عن طريق ترتيبات تشمل إقامة مناطق منزوعة السلاح ومناطق محدودة التسليح، ووضع قوات تابعة للأمم المتحدة على جانبي الحدود، وتحديد نوع الأسلحة التي تحصل عليها الدول الأطراف ونظم التسليح فيها، وانضمام جميع الأطراف إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتطبيق مبدأ المرور البحري على الملاحة في مضايق تيران، وإقامة علاقات سلام وحسن جوار وتعاون بين الأطراف.

عدم اللجوء إلى التهديد بالقوة أو استخدامها في تسوية المنازعات فيها بالوسائل السلمية.

إلغاء الحكومة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة، بمجرد توقيع معاهدة السلام وانتقال السلطة غلي الجانب العربي.

انسحاب إسرائيل من القدس إلى خط الهدنة حسب اتفاقية 1949، وطبقًا لمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة، وعودة السيادة والإدارة العربية إلى القدس العربية.

إقامة علاقات طبيعية بين الأطراف بالتوازي الزمني مع الانسحاب الإسرائيلي.

اشتراك ممثلي الشعب الفلسطيني في مباحثات السلام.

إبرام معاهدات السلام خلال ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع على إعلان المبادئ.

اشتراك الولايات المتحدة في المحادثات المتعلقة بكيفية تنفيذ الاتفاقيات.

معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية عام 1979:

مهدت مباحثات كامب ديفيد الطريق للاتفاق وتوقيع معاهدة السلام في 26 مارس 1979، والتي ضمت إطار الحل الشامل وإقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، ونصت على “إن حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة دولة إسرائيل اقتناع منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط وفقا لقراري مجلس الأمن رقم 242 و338، تؤكدان أن من جديد التزامهما بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد في سبتمبر 1978”. وهذا الإطار قصد به أن يكون أساسًا للسلام ليس فقط بين مصر وإسرائيل فحسب، بل بين إسرائيل وأي من جيرانها العرب كل فيما يخصه ممن يكون على استعداد للتفاوض من أجل السلام معها على هذا الأساس.

مثلت هذه الاتفاقية أول اعتراف من طرف بلد عربي بإسرائيل، وكانت المحادثات بين الطرفين الأنجح في عملية السلام برمتها، واستمرت المعاهدة وأدت إلى فتحت المجال لاتفاقات سلام عربية أخري تلتها.

وتقر مباحثات كامب ديفيد واتفاقية السلامة المصرية/ الإسرائيلية على مبدأ إجراء مفاوضات في المستقبل بين إسرائيل وأي دولة مجاورة مستعدة للتفاوض بشأن السلام كشرط لتنفيذ بنود ومبادئ قراري مجلس الأمن 242، 338. وأن السلام يتطلب احترام السيادة والوحدة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة وحقها في العيش في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، وأن التقدم في هذا الاتجاه يمكن أن يسرع بالتحرك نحو عصر جديد من التصالح في الشرق الأوسط، يتسم بالتعاون على تنمية التطور الاقتصادي، والحفاظ على الاستقرار والأمن، ثم تنتقل الاتفاقية الأولى إلى وضع المبادئ التي تم الاتفاق عليها لحل المشكلة الفلسطينية على ثلاث مراحل، المرحلة الأولى: نقل السلطة إلى الفلسطينيين في الضفة وغزة، لإقامة سلطة حكم ذاتي لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، أما المرحلة الثانية فيجرى فيها التفاوض على الوضع النهائي للضفة وغزة، على أن يعترف الحل الناتج عن المفاوضات بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة تنفيذ الاتفاق النهائي.

وفي فبراير 1981، دعا الرئيس “السادات” الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الاعتراف المتبادل وهو أول من نادى بهذه الفكرة خلال جولته في الدول الأوروبية التي أقرتها بالدعوة إلى إقامة حكومة فلسطينية مؤقتة تتبادل الاعتراف مع إسرائيل.

وعلى الرغم من كل جهود السلام تلك التي سعى إليها الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، لم يشهد اتفاقيات سلام عربية أخرى مع إسرائيل، إذ تم اغتياله عام 1981. 

خطة مبارك للسلام والتمهيد لاتفاقيات أوسلو وإبرام مبادرة السلام الأردنية الإسرائيلية:

خلال عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، أكد أن القضية الفلسطينية هي مفتاح الأمن الإقليمي والطريق لحل باقي أزمات المنطقة وقضاياها، وسعى جاهدًا إلى الدفع بإحياء عملية السلام وتوحيد الصف الفلسطيني من أجل حماية وحدة الأرض والشعب والقرار الفلسطيني، ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني الذي يعاني ما بين قهر الاحتلال وانقساماته الداخلية. في إطار مواصلة الجهود المصرية للوصول لاتفاق سلام عادل ينهي الاحتلال ويحقق الأمن للجميع، ويضع الشرق الأوسط على مسار جديد ويقيم الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

في ديسمبر عام 1988، نتيجة لجهود مكثفة شاركت مصر فيها صدر أول قرار أمريكي بفتح الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية ليفتح الباب بذلك أمام مرحلة جديدة من جهود السلام.

خطة مبارك للسلام والتمهيد لاتفاقيات أوسلو: تزامنًا مع خوض مصر لمعركتها الأخير لاسترداد طابا أخر قطعة ارض في سيناء عام 1989، بدأت التمهيد لاستعادة الحق الفلسطيني حيث طرح الرئيس مبارك في يونيو عام 1989 خطته للسلام، طبقًا لقراري مجلس الأمن رقم ” 242″، ورقم “338”، ومبدأ الأرض مقابل السلام، مع وقف جميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية. وكانت هذه الخطة بداية الطريق لاتفاقيات أوسلو. وفي 25 أكتوبر من نفس العام أبدت مصر ترحيبها بمبادرة وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر، ذات النقاط الخمس والتي أكدت ضرورة إجراء حوار فلسطيني إسرائيلي كخطوة أولي باتجاه السلام في المنطقة.

مؤتمر مدريد للسلام 1991، رعى المؤتمر كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وسعي المؤتمر لاستلهام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، لتشجيع البلدان العربية الأخرى على توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وأدي المؤتمر في نهاية المطاف إلى إبرام معاهد سلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994، وابرام اتفاقية أسلو بين فلسطين وإسرائيل عام 1993، في حين تعثرت محادثات السلام بين إسرائيل وسوريا ولبنان بسبب النزاع على الاراضي المحتلة منذ عام 1967.

“اتفاقية السلام الأردنية / الإسرائيلية” اتفاقية وادي عربة 26 أكتوبر 1994: 

– أبرمت اتفاقية السلام العربية الثانية بين إسرائيل والأردن تحت مسمى اتفاقية “وادي عربة”، نسبة لاسم المكان الذي تم توقيع الاتفاقية فيه على الحدود الأردنية الإسرائيلية، وقعت من قبل كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، ورئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي، بحضور الملك الأردني السابق الحسين بن طلال، ورئيس الوزراء الأسبق وايزمان، وتم الاتفاق تحت إشراف الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.

– تنص ديباجة اتفاقية وادي عربة على تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط على أساس قراري مجلس الأمن رقمي 242 و338 بكل جوانبهما، وتحديد حدود البلدين وفق زمن الانتداب البريطاني، باستثناء أراضي الباقورة والغمر، التي منحت الاتفاقية إسرائيل حق الانتفاع بهما لمدة 25 عامًا، وعقب انتهاء المدة عام 2019 عادت الأراضي للسيادة الأردنية بالكامل.

– وتضمنت الاتفاقية في موادها ال 14 تطبيعًا كاملًا بين البلدين، يشمل: فتح سفارة إسرائيلية في الأردن وأردنية في إسرائيل، ومنح تأشيرات زيارة السياح، وفتح خطوط جوية بين البلدين، وعدم استخدام أي منهما لدعاية معادية في حق الدولة الأخرى، والتعاون في الملفات الأمنية ضد الإرهاب أو أي عمليات مسلحة على حدود الدولتين، والتعاون الاقتصادي بين البلدين، والانفتاح في المجالات الثقافية والعلمية، ومنح الأردن أفضلية الإشراف على الأماكن المقدسة بمدينة القدس، والتعاون في ملف اللاجئين والنازحين من أجل العمل على توطينهم، والسماح لمواطني البلدين بحرية التنقل في أراضي البلد الآخر، ومرور سفن كل منهما في المياه الاقليمية للطرف الأخر.

اتفاقات أوسلو 13 سبتمبر 1993، “إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي”، شاركت مصر في التوقيع على اتفاق أوسلو الذي توصل إليه الجانبان الفلسطيني وإسرائيل، وجاء هذا الاتفاق الذي عقد برعاية أمريكية بعد اعتراف متبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومفاوضات شهدتها مدينة أوسلو النرويجية، وتنص على أن هدف المفاوضات بين الجانب الإسرائيلي والفلسطيني هو تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية منتخبة لمرحلة انتقالية لا تتجاوز 5 سنوات، تؤدي إلى تسوية دائمة، تقوم على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967، ورقم 338 لعام 1973. وبموجب اتفاقات أوسلو التي تألفت من 17 مادة واربعة ملاحق، تم إعلان تقسيم المناطق الفلسطينية التي احتُلت عام 1967 إداريًا وأمنيًا إلى مناطق “أ”، “ب”، و”ج”، لكن القدس وقضايا الحدود واللاجئين والاستيطان، لم تدخل في تلك الاتفاقات، حيث نص على تأجيلها كلها إلى ما أطلق عليه “مفاوضات الحل النهائي”.

وفي عام 1994، رافق الرئيس الراحل حسني مبارك الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات داخل قطاع غزة للمرة الأولى بعد توقيع اتفاقية الحكم الذاتية المعروفة باتفاقية طابا.

بروتوكول القاهرة أغسطس عام 1995: لعبت مصر دورًا بارزًا في توقيع بروتوكول القاهرة الذي منح أملًا جديدًا للفلسطينيين، وتضمن نقل عدد من الصلاحيات للسلطة الفلسطينية، وعلى أرض طابا تم توقيع اتفاق مرحلي لتوسيع الحكم الذاتي الفلسطيني، وخلال نفس العام تم تطبيق اتفاق طابا بالانسحاب الإسرائيلي من المدن الكبرى في الضفة الغربية.

اتفاقية طابا “أوسلو 2″، وُقعت بمدينة طابا في 28 سبتمبر عام 1995، واعتبرت بمثابة المرحلة الثانية من اتفاقية أوسلو الأولى التي تنص على انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية؛ إذ تعهدت إسرائيل بالانسحاب من 6 مدن رئيسة و400 قربة بداية من عام 1996، وانتخاب 82 عضوًا للمجلس التشريعي والإفراج عن المعتقلين في السجون الإسرائيلية. وتضمن الاتفاق 7 برتوكولات بشأن: “إعادة الانتشار، والترتيبات الأمنية، وعقد الانتخابات، وتنظيم الشؤون المدنية، وتنظيم الشؤون القانونية، والعلاقات الاقتصادية، وبرنامج التعاون الإسرائيلي الفلسطيني، والإفراج عن سجناء فلسطينيين”، مع الإشارة إلى أن هذا الاتفاق يبطل ويحل محل اتفاق غزة- أريحا الموقع في القاهرة في 5 مايو 1994، واتفاق نقل الصلاحيات المبكر الموقع في لإيرز في أغسطس 1994، واتفاق النقل الإضافي للصلاحيات الموقع في القاهرة في أغسطس 1995.

في يناير 1997 ونتيجة للجهود المصرية، تم التوقيع على اتفاق الخليل حول الإطار العام للترتيبات الأمنية في مدينة الخليل والمراحل التالية من إعادة الانتشار. وفي 27 مايو، عُقدت قمة شرم الشيخ بين الرئيس مبارك وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك؛ بهدف تحريك عملية السلام وبحث السبل الكفيلة لإزالة العقبات التي تعترض استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.

في ديسمبر 1997، شاركت مصر في المبادرة التي تقدمت بها المجموعة العربية إلى الأمم المتحدة والتي تقضي برفع التمثيل الفلسطيني لدى الأمم المتحدة من صفة مراقب إلى مكانة شبه دولة.

في مايو 1998، طُرحت المبادرة المصرية الفرنسية حيث وجه الرئيسان “مبارك” و”شيراك” دعوتهما إلى عقد مؤتمر دولي لإنقاذ عملية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وإيجاد آلية جديدة تضمن تنفيذ هذه الاتفاقات وفقًا لمؤتمر مدريد التي تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام. وقد اقترحت المبادرة أن يعقد المؤتمر بدون إسرائيل والسلطة الفلسطينية وذلك على مرحلتين وتحضره الدول والعناصر التي تبدي اهتمامًا بالمشاركة في شؤون الشرق الأوسط وأوروبا والدول العربية الكبرى، في حين تشارك إسرائيل والسلطة الفلسطينية في مرحلته الثانية.

في 23 أكتوبر 1998، ساندت مصر الجانب الفلسطيني في مطالبته بالالتزام باتفاق “واي بلانتيشن” الذي توصل إليه مع إسرائيل باعتباره تطبيقًا لاتفاقات أوسلو والذي أعطى انطباعًا بأن هناك انطلاقة على طريق السلام.

مفاوضات كامب ديفيد يوليو 2000: سعى من خلالها الرئيس كلينتون إلى معالجة ملفات الوضع النهائي بما في ذلك مشكلة الحدود ووضع القدس واللاجئين التي لم تشملها اتفاقية أوسلو، لكن هذه المساعي لم تنته لاتفاق معين، وأدى فشل محادثات كامب ديفيد إلى استئناف الانتفاضة الفلسطينية، وكذلك فشلت محادثات طابا 2001 برعاية أمريكية.

في مارس 2001، طرحت مصر والأردن مبادرة لوقف العنف واستئناف مفاوضات السلام وتنفيذ التسويات والتفاهمات الأمنية التي تم الاتفاق عليها بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. ويلتزم الاتحاد الأوروبي والسكرتير العام للأمم المتحدة ومصر والأردن بمتابعة ومراقبة عمليات التنفيذ مع ضرورة وقف الاستيطان وتوفير الحماية للأماكن المقدسة.

وفي 6 يونيو 2002، اقترح الرئيس “مبارك” أن يتم إعلان إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في عام 2003 ومناقشة القضايا الشائكة مثل القدس والمستوطنات واللاجئين والحدود والمياه، ووضع قرار مجلس رقم 1397 موضع التنفيذ، والذي يدعو للمرة الأولى إلى ضرورة قيام دولة فلسطينية بجانب إسرائيل.

مبادرة السلام العربية عام 2002: تبنت الدول العربية في القمة العربية ببيروت المبادرة السعودية، التي أكدت رغبة الأمة العربية في وضع حد لهذا النزاع، ونصت المبادرة على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود عام 1967، والسماح بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، تكون عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين، وفي المقابل، تعترف الدول العربية بإسرائيل وتطبع العلاقات معها.

في عام 2002، شاركت مصر بقوة في الجهود التي أدت إلى إقرار خارطة الطريق التي أعدتها اللجنة الرباعية “الامم المتحدة، أمريكا والاتحاد الاوروبي وروسيا” عام 2003، وأيدت وثيقة جنيف بوصفها نموذج سلام متوازن.

في عام 2004، طرحت القاهرة مبادرة للقيام بدور مباشر لتهيئة الأجواء أمام تنفيذ خطة انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، وبالفعل انسحبت القوات الإسرائيلية من غزة في أغسطس عام 2005، بعد 38 عامًا من احتلال القطاع منذ عام 1967.

استمرت مصر وفقًا لعقيدة إرساء السلام كخيار استراتيجي في لعب دورها لحفظ الاستقرار والأمن، حيث لعبت دورًا بارزًا في الترتيب عربيًا لقمة استئناف مفاوضات السلام عام 2007 “قمة انابوليس” بالولايات المتحدة، والتي صدر عنها بيان مشترك بين القادة الإسرائيليين والفلسطينيين دعا إلى الانخراط في المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق سلام كامل بحلول نهاية 2008. واتفق الطرفان على أن تطبيق بنود السلام ينبغي أن تسبقه إجراءات بناء الثقة المنصوص عليها في خارطة الطريق. وجرت اجتماعات منتظمة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكنها توقفت فجأة عندما بدأ الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة في أواخر 2008.

في 18 يناير عام 2009، عقدت مصر قمة دولية طارئة في مدينة شرم الشيخ لبحث التهدئة وإحياء عملية السلام، عقب العدوان الإسرائيلي على غزة، وشارك فيها قادة أوروبيون وعرب، وممثلو الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وغاب عنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، نتيجة الإجراءات الإسرائيلية.

في فبراير 2009، عقب تولي الرئيس بارك أوباما منصبه، أكد الرئيس الراحل “مبارك” لنظيره الأمريكي ضرورة الإسراع في حل القضية الفلسطينية لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، لتنعم المنطقة بالسلام وتتخلص من الإرهاب. ودعا الرئيس “مبارك” رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو إلى إجراء مفاوضات حول الحدود النهائية للدولة الفلسطينية لتمهيد الطريق للاتفاق على قضايا الوضع النهائي في إطار زمني محدد في إطار عملية سلام حقيقة، وحث إسرائيل على وقف جميع محاولات تهويد القدس، لتداعياتها الخطرة على جهود السلام نظرًا لحساسية مسألة القدس في العالمين العربي والإسلامي، هذا إلى جانب وقف تحركات إسرائيل لتغيير ديموجرافيا الأراضي الفلسطينية المحتلة بزيادة المستوطنات الإسرائيلية.

وعلى مدار سنوات، لم تغب الأزمة الفلسطينية عن مصر وتأكيدها على أهمية إرساء السلام العادل والشامل، وحتى خلال توتر الأوضاع الإقليمية عام 2011 كانت الدبلوماسية المصرية حاضرة بقوة لدعم الأشقاء الفلسطينيين ومحاولة التوصل لأزمة قطاع غزة. فقد حققت مصر في هذا العام نجاحًا في دفع الأطراف الفلسطينية إلى التوقيع على اتفاق المصالحة، ووقفت مصر ثابتة لتوحيد الفلسطينيين ودعمهم لاسترداد حقوقهم المشروعة.

القضية الفلسطينية في مقدمة أولويات الرئيس عبد الفتاح السيسي

وجاءت إدارة الرئيس السيسي عام 2014 لتضع القضية الفلسطينية على رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية، بوصفها أول دائرة من دوائر سياستها الخارجية وأحد محددات أمنها القومي المباشر. وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن السلام خيار استراتيجي راسخ في العقيدة المصرية؛ للحفاظ على مقدرات وحقوق الشعب الفلسطيني الشرعية، في إطار مبدأ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا للمبادرة العربية للسلام لعام 2002، ومقررات الشرعية الدولية بهذا الشأن.

على الصعيد السياسي، تعددت الزيارات واللقاءات بين الرئيس “السيسي” والرئيس الفلسطيني محمود عباس؛ لدعم السلطة الفلسطينية وترتيب البيت الفلسطيني من الداخل من خلال مسار الانتخابات العامة والرئاسية الفلسطينية. وفي عام 2017، وقعت حركتا فتح وحماس على اتفاق إنهاء الانقسام، برعاية مصرية. واستضافت مصر اجتماع القاهرة للفصائل الفلسطينية الذي مثل نقطة فارقة في إنهاء حالة الاحتقان الداخلي بعد تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر لها مايو عام 2021.

على المستوى الإقليمي، عقدت مصر عدة لقاءات إقليمية مع الأردن على المستوى الرئاسي لتنسيق الجهود بين البلدين فيما يتعلق بتصدير القضية الفلسطينية إلى الواجهتين الاقليمية والدولية، وكثف قادة مصر والأردن وفلسطين اتصالاتهم ولقاءاتهم لتوحيد الجهود العربية والدولية للتحرك لإعادة تنشيط مفاوضات السلام بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.

نجحت مصر في جميع الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة في احتواء الوضع، وتحقيق الهدنة بين الطرفين، ووقف إطلاق النار، وإعادة الهدوء الأمني لقطاع غزة. هذا إلى جانب إرسال المساعدات والقوافل الطبية ومحاولة إعادة إعمار غزة بعد كل حرب، وأبرزها تدشين مصر للمبادرة الرئاسية في مايو عام 2021، بمنح 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة. وفي يوليو عام 2021، أسست مصر لجنة وطنية عليا للإشراف على إعادة إعمار غزة، هذا إلى جانب المساهمة في الحد من أزمة الطاقة في قطاع غزة، فضلًا عن توجيه المجتمع المدني المصري لعلاج الجرحى والمصابين.

وتم العمل على زيادة وقت فتح معبر رفح لاستقبال المرضي والمصابين وعلاجهم في المستشفيات المصرية، هذا إلى جانب تسهيل عبورهم للدراسة أو السفر لأداء مناسك الحج والعمرة؛ في محاولة مصرية لرفع المعاناة عن كاهل المواطن الفلسطيني.

في الضفة الغربية، إثر اقتحام السلطات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، ومسيرات المستوطنين في القدس الشرقية، استدعت مصر السفيرة الإسرائيلية أميرة أورون لتأكيد موقف مصر الرافض والمستنكر لهذا الاقتحام، والتشديد على ضرورة احترام المقدسات الإسلامية، وتوفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين وصيانة حقوقهم في ممارسة الشعائر الدينية، والتحذير من أن مسيرات المستوطنين في القدس الشرقية قد ترسم طابعًا جديدًا للصراع يمكن أن يزيد من حدته.

ومازالت حتى الآن دائرة العنف تتكرر وتتسع في ظل غياب الحق الفلسطيني؛ فعلى مدار 15 عامًا منذ انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005، شنت إسرائيل الحرب على قطاع غزة تحت مسمي الحرب على الفصائل الفلسطينية، وتسببت في إصابة نحو 100 ألف من أهالي غزة، وسقوط نحو 12500 شهيدًا أغلبهم من الأطفال والنساء.

وختامًا، لم تكن المواقف الرمادية أبدًا مواقف مصر؛ فمصر موقفها واضح على مدار عقود بتقديم الدعم الثابت الذي لا يتجزأ ولا يتلون للقضية الفلسطينية، والتأكيد على السلام كخيار استراتيجي لإحلال الامن والتعايش السلمي في المنطقة، وكانت مصر دائمًا الأقرب والاقدر على فهم القضية الفلسطينية بكل أبعادها، ليس فقط من منطلق دورها الريادي في المنطقة وموقعها الاستراتيجي، ولكن لأنها دفعت ثمن تأييدها للقضية غاليًا من دماء الشهداء المصريين التي سالت على أرض فلسطين.

وفي ظل تأزم الوضع الراهن، فإن إرساء السلام المنبثق عن مباحثات اتفاقية كامب ديفيد عام 1778، واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1779، ووفقًا المبادرة العربية والقرارات الدولية التي تقضي بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، عاصمتها القدس الشرقية، سيعمل على وقف نزيف دماء الأبرياء، وإنهاء حلقة العنف المفرغة، ويمنح الحقوق لأصحابها، ويؤسس لسلام عادل ودائم، يخلق عالم مختلف في منطقة الشرق الأوسط، مبني على التعاون والتعايش في أمن وأمان وازدهار، مما سيكون له تداعيات ايجابية على الأمن القومي العربي والإقليمي، ويبدد حالة الاحتقان بين شعوب المنطقة، ويتيح لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين حياة آمنة خارج دائرة العنف المفرغة.

فالقضية الفلسطينية هي جوهر قضايا الشرق الأوسط، لذا يرتبط الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية بالسلام والاستقرار الإقليميين والعدالة والإنصاف الدوليين؛ إذ إن التعايش السلمي بين فلسطين وإسرائيل والتنمية المشتركة للدول العربية وإسرائيل أمر يتفق مع المصالح الطويلة الأجل لكلا الجانبين والتطلعات المشتركة لشعوب المنطقة والعالم. لذا يجب على المجتمع الدولي أن يتمسك بمبدأ “حل الدولتين” بثبات، ويعطي الأولوية للقضية الفلسطينية في الأجندة الدولية ويساعد الشعب الفلسطيني على تحقيق حقه المشروع بإقامة دولة مستقلة على حدود عام 1967.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/79616/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M