الفائدة من رفع معدلات الفائدة

عبد الفتاح الجبالي

 

هل ستتحول البنوك المركزية الكبرى من سياسة التيسير النقدى الى التشدد من خلال رفع الفائدة؟ هذا هو التساؤل المطروح الآن على الساحة الدولية مع ازدياد كثافة الضغوط التضخمية الناجمة عن التغييرات الهيكلية والتى تسارعت وتيرتها نتيجة لوباء كورونا، وظهور آخر سلالة متحورة من الفيروس أوميكرون، مع تخلى البلدان عن إجراءات الإغلاق. حيث ارتفع التضخم فى الولايات المتحدة الامريكية فى نوفمبر 2021، الى اعلى مستوى له منذ 39 عاما، وبالمثل ارتفع معدل التضخم الأوروبى ليسجل اعلى مستوى له منذ 24 عاما. وعلى الرغم من الانقسام العالمى حول المدى الذى سيستمر معه التضخم الحالى، إلا انه ومع ازدياد الشعور بعدم اليقين فى السياسات المستقبلية، فمن المتوقع ان يكون التضخم طويل المدي، اى انه سيستمر فترة زمنية ليست بالقصيرة، الأمر الذى سينعكس بدوره على السياسات النقدية خاصة سعر الفائدة.

فبعد فترة من سياسات التيسير النقدى التى سمحت بوجود سيولة مالية ضخمة فى الأسواق الدولية أصبحت البنوك المركزية مطالبة بالتدخل لاتخاذ المزيد من الإجراءات ورفع سعر الفائدة، وهو ما قام به العديد من البنوك المركزية وكان آخرها بنك إنجلترا، وهناك العديد من البنوك التى أعلنت انها فى الطريق لرفع الفائدة.

ومن المعروف ان الهدف الأساسى للسياسة الاقتصادية هو الوصول الى معدل تضخم معتدل يدعم الاستقرار الاقتصادى ويجعل الاقتصاد فى حالة توازن حركى منتظم يزيد من الناتج المحلي، اى تحقيق الاستقرار فى الاسعار وضمان معدل تضخم يضمن تحقيق الاهداف التنموية للبلاد. وبعبارة أخرى فان ارتفاع التضخم يلقى بظلاله على هدفى استقرار الأسعار والنمو الاقتصادى، ويشكل خطورة على برامج الإصلاح الهيكلى. مما يعزز من أهمية الحديث عن سياسة سعر الفائدة. فى هذا السياق فان الوضع المصرى يحتاج الى المزيد من النقاش، إذ إنه فى ظل أوضاع التضخم الراهنة وتثبيت سعر الفائدة كما هو حادث الآن، تصبح أسعار الفائدة الحقيقية منخفضة. بما يشير الى ضرورة اتخاذ سياسة مختلفة لسعر الفائدة وتحريكه الى اعلى.

وذلك لتحجيم التضخم والحفاظ على القوى الشرائية للعملة المصرية، ناهيك عن الحفاظ على الاستثمار الأجنبى فى أدوات الدين الحكومي، وهى مسألة غاية فى الأهمية فى ظل العجز المزمن فى الميزان الجارى والميزان التجارى. وهنا يتخوف البعض من آثار ذلك على النشاط الاقتصادي، حيث يرون ان هذا الارتفاع سيؤثر على حركة الائتمان للقطاع الاستثمارى مما قد يجعله يحجم عن الاقتراض، ومن ثم التأثير على معدل الاستثمار، ومن ثم النمو والتشغيل. بل وقد تؤدى الى المزيد من التضخم الناجم عن ارتفاع التكلفة الاقتراضية.

وعلى الرغم من الوجاهة النظرية لهذا القول إلا إن الواقع المصرى المعيش والخبرة التاريخية تشير الى ان هذا الأثر سيكون محدودا للغاية. خاصة أن التضخم الحالى هو تضخم مستورد بالأساس، هذا فضلا عن ان هذه الحجة تنطلق من فرضية اساسية مفادها أن هناك علاقة سببية مباشرة بين أسعار الفائدة وحركة الاستثمارات فى المجتمع. وهو ما ينشىء صلة مباشرة بين السياسة النقدية وسلوك القطاع الخاص الاستثماري. وذلك لكون أسعار الفائدة تمثل نفقة الاقتراض بغرض الاستثمار ومن ثم فان خفضها سوف يترتب عليه تشجيع الاستثمار، ومن ثم زيادة الإنتاج، والعكس صحيح. كذلك فان رفع الفائدة يزيد من اسعار الاستهلاك الجاري، بحيث يتوقع انخفاض الطلب على الاستهلاك الحالى وذلك لحساب زيادة المدخرات الخاصة من جهة اخرى. ونتيجة لذلك ينخفض الإنفاق الخاص على كل من الاستهلاك والاستثمار ويحدث انخفاض عام فى الطلب الكلى يمكن ان يؤدى بدوره الى انكماش الاقتصاد.

وهذه الفرضية لا تنطبق على الحالة المصرية، وليس أدل على ذلك مما أشار اليه بارومتر الاعمال الذى يصدره المركز المصرى للدراسات الاقتصادية الى ان اهم المعوقات التى تواجه الشركات هى التضخم وصعوبة التعامل مع الجهات الحكومية والمنظومة الضريبية، بينما جاء ارتفاع أسعار الفائدة فى المرتبة الثالثة عشرة، الامر الذى يؤكد ان القرار الاستثمارى لا يتوقف على سعر الفائدة فقط وان العلاقة بين الاستثمار والفائدة ليست بنفس درجة المرونة التى يراها المؤيدون لخفض الفائدة. بالإضافة الى ما سبق فإن اسعار الفائدة المرتفعة قد تدفع الشركات الى الاقتراض لتمويل الاستثمار الثابت دون غيره، كما انها تؤدى الى تحيز لصالح الاستثمارات ذات الكثافة الاعلى للعمالة وليس لرأس المال، وهو ما يؤثر بالإيجاب على معدلات التشغيل.

وهذا لا ينفى بالقطع أهمية دراسة كل هذه العناصر لمعرفة سعر الفائدة التوازنى الذى يجب ان يسود بالأسواق ويحقق الأهداف التنموية للبلاد. فإذا كان تحقيق مستوى مرتفع للنمو الاقتصادى يتطلب إحداث زيادات منتظمة فى رأس المال وفى فاعلية استخدامه، فان ازدياد حجم الاستثمارات لن يكون قابلا للاستمرار الا إذا تحقق بشكل ينسجم مع وجود وضع اقتصادى سليم وبيئة استثمارية مناسبة. وهو ما يتطلب ايضا، وبنفس القدر، الاهتمام بتعبئة المدخرات المحلية.وهكذا يعرف سعر الفائدة التوازني، والمصحح لاحتساب اثر معدل التضخم المتوقع، بانه يعادل كلا من المعدل الحدى الذى يكون الافراد عنده مستعدين لاستبدال الاستهلاك الحاضر بالاستهلاك فى المستقبل. والمعدل الحدى الحقيقى للعائد المتوقع من الفرص الاستثمارية المتاحة للمقترضين. وبمعنى اخر فان إصلاح اسعار الفائدة يشير الى تحريك السعر ليصبح أقرب الى التوازن بالأسواق.

ولكن تكمن المشكلة فى كون ارتفاع اسعار الفائدة على اذون الخزانة يؤدى الى زيادة عبء الدين العام المحلي، ومن ثم زيادة عجز الموازنة والتى تلجأ بدورها الى طرح المزيد من الاوراق المالية الحكومية، وهكذا ندخل فى دائرة مفرغة وتفاقم من عجز الموازنة العامة للدولة. وهو ما يتطلب النظر فى أوضاع الموازنة والدين العام ووضع استراتيجية متكاملة للتعامل معه.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/18189/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M