تأملات_قرآنية من الآية الاربعين من #سورة_فاطر

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)

التأمل الأول :
الشركات في حياتنا متنوعة ومتعددة ، منها شراكة أسرية بين الزوج والزوجة ، ومنها شراكة تجارية تكون بين مساهمي نفس الشركة أو بين الشركات ، أو شراكة سياسية بشقيها الداخلية والخارجية ، والخارجية تنقسم الى إقليمية ودولية ، وهكذا باقي الشراكات .
كل هذه الشراكات من حيث الأصل مقبولة قرآنياً ، إلا أن المرفوض منها ما تكون على أساس مخالف للنهج القرآني ، فيعملون وفق ما يرتضيه الشريك من دون رضا الله تعالى لتحقيق مكاسب دنيوية محدودة، رغم أن الشراكة لا تصل الى الشراكة في السماوات حتى يكون التمسك بها ملزماً ، وأنها مخالفة لما آتانا الله سبحانه في بينات كتابه الكريم ، ومثل هذه الشراكات تجعل الشركاء ظالمين في نظر القرآن الكريم .

التأمل الثاني:
لو أخذنا إحدى مصاديق الشراكات في حياتنا وهي الشراكة الأسرية التي تجمع بين الزوج وزوجه ، فنجد بعض هذه الشراكات تحترم بعض التقاليد والأعراف والقوانين والسلوكيات وتهتم بها – وربما تُقدّسها – من دون النظر الى ما يريده الله تعالى ، فلا اهتمام بالأطر الشرعية منذ بدء الزواج وحفل عقد القِران ، ولا مراعاة للضوابط الشرعية في مكسبهم أو ملبسهم أو تعاملهم مع الآخرين بما فيهم أهل الزوجين .
إن من الظلم الذي يخفى على الكثيرين هو التفريط بأحكام الله سبحانه في الحياة الزوجية والاغترار بهذه الحياة الدنيا ، فلا يطاع الزوج ( الرجل أو المرأة ) عندما يُعصى الله جل وعلا ، فليس لهذا الزوج شرك في السماوات التي يمكلها رب السماوات جل شأنه حتى يُطاع ، ولا توجد بينات وأحكام سماوية تدعو لهذه الطاعة الظالمة .

التأمل الثالث:
تتوجه الحياة الاقتصادية بشكل عام الى التجارة الحرة وتأسيس الشراكات بين الأفراد لتكوين شركات أو أي أعمال حرة بسيطة ، ولكون الغاية من هذه الشراكات هو جني الأموال فإن غفلة الناس عن الله عز وجل تدعوهم للانغماس في الدنيا من دون أن يكون لله تعالى فيها نصيب ، مع إن المفروض أن تكون حياتنا كلها لله سبحانه من دون أي شريك ونصيب لأحد ، وإن كان هناك شريك فيكون بما يرضي الله جل وعلا ، لكي لا يكون هناك شريك فعلي لله جل جلاله الذي له ملك السماوات والأرض وليس لأحد غيره أن يخلق أو يملك شيئاً من دونه سبحانه .
فالتجارة من الأعمال الحياتية المطلوبة وبالتالي لا بد أن لا يكون هناك شريك في رضا الله تعالى ، فتقديم رضا الشركاء في التجارة على رضا الله سبحانه ظلم ، وإن لم يكن ظلماً فليأتوا ببينة ودليل .

التأمل الرابع:
تُعتبر الشراكة السياسية من الشراكات التي تربط الجماعات البشرية وتكون بشكل عام متجهة في مسار لا يوافق المسار الذي يريده الله تعالى ، حيث أن هذه الشراكة تهدف للحصول على مناصب ومغانم ومكاسب كغايات بذاتها كي يرضوا أنفسهم الأمارة بالسوء ، لذا نجدهم يظلمون أنفسهم ويظلمون مَن دونهم ويقضون على أي شخص أو جهة تقف بوجههم ، بل ومستعدون لإبادة مجتمع بأكمله ويقتلون آلاف البشر فيه ويدمّرون أبنيته ومنازله ومستشفياته في بضعة أيام ، كل ذلك لإحكام هيمنتهم التي مهما كبرت فإنها بلا قيمة لخا أمام هيمنة جبار السماوات جل جلاله ، ومع هذا يظن البعض متوهماً أن هذه الهيمنة مبرراً للدخول معهم في شراكة حتى لو كانت دموية، ويطبّعون معهم بالسر إن لم يكن بالعلن ، فَوِفق أيِّ بينةٍ ودليلٍ بَنَيتُم شراكتَكم الظالمة ؟!

التأمل الخامس:
إن الشراكة السياسية من حيث الأصل أمر جيد ومُستَحسَن عقلياً ، فعندما يشارك حزب سياسي حزباً سياسياً آخراً لتحقيق هدف مقبول عند الله تعالى فهذه الشراكة مطلوبة ومهمة ، فالسياسة في الإسلام لا تعارض مثل هذه الشراكات ، وقد أقيمت أحلاف وتحالفات عدة في التأريخ الإسلامي لإحقاق الحق الذي أكدته بينات كتاب الله العزيز ، وإبطال الباطل ومحاربة الظلم سواء كان الظلم سياسياً أو تشريعياً أو اجتماعياً أو غيرها ، وقد لا يكون أطراف الحلف متفقين تماماً من حيث الرؤى والأفكار ، ولكن هناك مشتركات تستحق التحالف من أجل تحقيقها ، لذا فليس من الغريب أن نرى قوى سياسية ذات خلفيات إسلامية متحالفة مع قوى تختلف معها في هذه الخلفية ، خاصة إذا كان يحكمها فقيهٌ متخصصٌ ومتضلعٌ في الأمور السياسية .

التأمل السادس:
هناك ثلاثة أمور على الأقل تجعل الطاعة من دون نقاش ( أي عبودية مطلقة ) :
1) أن يكون للمطاع القدرة على خلق شيء من الوجود ( ولو من الأرض ) بحيث يُوجِد ذلك الشيء من العدم .
2) أن يملك المطاع من السماوات ولو شيئاً بسيطاً، وخاصة البُعد المعنوي للمُلك، بمعنى أنه قادر على هداية البشر ورزقهم وقضاء حوائجهم واستجابة دعائهم وغير ذلك.
3) أن يُثبِتَ وجوب طاعته المطلقة من خلال البينات والحجج والبراهين القاطعة .
من دون ما تقدّم تعتبر الطاعة غير صحيحة لأنها ظلمٌ .

التأمل السابع:
إن المؤمن لا يدعو من دون الله عز وجل أحداً فَيُشرِكَه في خلقه ومُلكه وتدبيره لأمور العباد والمخلوقات ، هذا من الناحية النظرية ، أما عملياً وبسبب ظلم الإنسان لنفسه فإنه يُشرك كثيراً من المخلوقات في ما هو مختص بالله جل وعلا ، فيطيع هؤلاء الشركاء رغم مخالفتهم لأوامر الله تعالى ، فهو يؤمن بأن الله سبحانه هو الرزاق ومع هذا يلجأ الى شركات والى وسائل رزق تخالف الضوابط الشرعية التي فرضها الله تعالى ، فيعمل في المصارف الربوية ويبيع آلات اللهو والقمار والطرب ويغش الناس ويستخدم التعري لجذب الزبائن وغيرها ، ويؤمن بأن الله جل جلاله ينهى عن تشريع قوانين مخالفة لقوانين السماء إلا أنه يقوم بها لإرضاء دعوات حقوق الإنسان المزيفة وحريته المزعومة ، ولا يتردد في ظلم الآخرين وسرقة أموال الشعب وأخذ الرشى رغم أنه يعلن إنتماءه لدين رافض لهذا الأفعال .

التأمل الثامن:
إن الإنسان بشكل عام يرى الأمور المادية بدرجة عالية ، وقد يراها بدرجة أكبر من رؤيته للأمور المعنوية إذا اهتم ببُعده المادي أكثر من اهتمامه ببُعده المعنوي ، فيرى من يحسن إليه بالإحسان المادي ولكنه لا يرى من يحسن إليه بالإحسان المعنوي ، حتى لو كان صاحب الإحسان المادي مسيئاً له معنوياً ، بل ويعتبره شريكاً له في (نجاحه) ، كمن يعمل في شركة عملاً مخالفاً للشريعة ويجد صاحب العمل يعطيه راتباً عالياً ويؤهله لمراتب ومناصب أعلى ، بينما لا يهتم – وقد يبغض – بمن ينصحه إذا ما كانت هذه النصيحة تضره مادياً .
إن كان اهتمام الإنسان ورؤيته مقتصرَين على الأمور المادية فليعلم أن الله تعالى سيطالبه بأن يُريَه ما يثبت صحة عمله وهو الذي لا يحجب عنه رؤية ما يفعله العباد ، فهل هو قادر على ذلك ؟

التأمل التاسع:
هناك الكثير من الدعوات والإدعاءات ، منها صادق ومنها كاذب ، فبعضٌ يدعي الألوهية وبعض يدعي النبوة وآخر يدعي الفقاهة ، وعلى المستوى السياسي وفي الانتخابات تحديداً يدعي المرشحون أنهم أكفاء ونزيهين ، وفي الجانب التجاري يدعي منتجو السلع والخدمات أن سلعهم وخدماتهم هي الأفضل ، ويدعي الباحثون عن عمل أنهم يمتلكون الخبرة والقدرة على العمل بشكل دقيق واحترافي ، وغيرها الكثير .
يعلمنا القرآن الكريم درساً عملياً للتعامل مع هذه الإدعاءات المتنوعة ، وهو أن يرينا أصحابُ الإدعاءات شيئاً عملياً يثبت صحة إدعاءاتهم ، أو أن يأتينا بِبَيّنةٍ ودليل يثبتان ذلك ، وأن لا نغتر بالعناوين البراقة لهذه الإدعاءات ، كإدعاءات حرية التعبير وحقوق الإنسان وحقوق المرأة .

التأمل العاشر:
إن التطور الصناعي لدى الغرب جعل الكثيرين يتأثرون بهم فكرياً الى درجة الاغترار بهم، فأصبح المتأثرون يتّبعون الغرب من دون الله تعالى وشريعته ، فيتمسكون بما يصدر عن المنظمات الدولية أَمَلاً بما يَعِدُ (الغربُ) الشعوبَ من ثمار الالتزام بها حتى لو خالفت شريعة السماء ! وكأن الغرب – بصناعتهم (المتطورة) – خلقوا من الأرض شيئاً من العدم ولم يحولوه من شيء الى آخر ، وغفلوا عن أن الخلق لا يقوم بشيء يعجز عنه خالقه ، بينما ما يصنعه الإنسان يقوم بأمور يعجز عنها الى حد أنه قد ينقلب على صانعه كما يتوقع لمستقبل الذكاء الاصطناعي ، وفوق ذلك كله فإنه ليس لهؤلاء (الخالقين) شرك في السماوات ، وليس لمن اغتر بصناعتهم بينات وأدلة تبرر لهم هذا الاغترار ، وهذا ظلم فكري واضح .

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M