زلزال سوريا والغارات الإسرائيلية الأخيرة على دمشق.. دوافع التزامن

علي عاطف

 

أثبتت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال أقل من شهرين على أدائها اليمين الدستورية أن نهجها إزاء إيران يختلف عن سابقاتها وأن مسار المواجهة الإيرانية الإسرائيلية آخذ في الصعود. فخلال 8 أسابيع فقط، قامت إسرائيل بعدد من العمليات النوعية استهدفت مواقع عسكرية إيرانية في الداخل والخارج، وهو ما يعني ارتفاعًا في وتيرة هذه العمليات عند الأخذ في الحسبان العامل الزمني ونهج الحكومات الإسرائيلية السابقة.

وكانت عملية أصفهان التي جرت أواخر شهر يناير 2023، واستهدفت إسرائيل خلالها مصنعًا عسكريًا لإنتاج مسيرات “شاهد-136″، أحد أهم هذه الهجمات، ثم تلتها مؤخرًا صباح يوم 19 فبراير الجاري عملية كبرى أخرى لا تتفاوت أهدافها كثيرًا عن عملية أصفهان. هذا بالطبع إلى جانب هجوم صاروخي أخرج مطار دمشق الدولي عن الخدمة لساعات مطلع يناير 2023.

وفي الوقت الذي كانت فيه عملية أصفهان بإيران نوعية بامتياز، فإن استهداف حي “كفرسوسة” بدمشق يُعد تحولًا ملموسًا في إطار مسار المواجهة الإيرانية الإسرائيلية. فقد كانت هذه الهجمات هي الأقوى داخل سوريا منذ تولي نتنياهو رئاسة الوزراء لدورة جديدة.

معقل الميليشيات الإيرانية: حيوية مكان الاستهداف

وقعت الهجمات الإسرائيلية في العاصمة السورية دمشق يوم 19 فبراير الجاري مستهدفة مواقع أمنية واستخباراتية سورية ومرتكزات أخرى وفقًا للادعاءات الإسرائيلية تابعة لميلشيات إيرانية في حي كفرسوسة بالعاصمة دمشق الذي يتميز بكونه أحد أهم مواقع تمركز المقرات الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة السورية، والذي يُعد في الوقت ذاته معقلًا للوكلاء المسلحين التابعين لإيران وفقًا للرواية الإسرائيلية.

ff.PNG
tt.PNG
(“المدرسة الإيرانية” في حي كفرسوسة بدمشق، جوجل)

 

فقد استهدف هذا الهجوم “المدرسة الإيرانية” الشهيرة في المربع الأمني بحي كفرسوسة الدمشقي، ما نتج عنه تدمير المبنى، إلا أنه لم يتسبب في سقوط ضحايا، حيث قيل إن إيران أمرت عناصر وأفراد هذه “المدرسة” بمغادرتها قبل نصف ساعة فقط من بدء الهجوم الإسرائيلي.

وإلى جانب المدرسة، شملت الهجمات مرتكزات أمنية وعسكرية أخرى تابعة لإيران في مناطق مثل مقر الفرقة الأولى المدرعة التابعة للجيش السوري في مدينة الكسوة التي تقع على بُعد 18 كيلو مترًا إلى الجنوب من العاصمة دمشق، وهي تُعد من أقوى الفرق العسكرية في الجيش السوري. وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات عليها في عام 2020، وطالت أيضًا مستودعات ذخيرة لميليشيات تابعة لطهران في محيط مناطق بلدة صحنايا وحي السيدة زينب ومطار المزة العسكري ومطار دمشق الدولي، ما تسبب في اشتعال النيران وتصاعد أعمدة الدخان في سماء العاصمة السورية بالتزامن مع حالة طوارئ عاشتها المجموعات المسلحة التابعة لإيران في ذلك التوقيت.

وقد أسفر هذا كله عن مقتل ما لا يقل عن 15 شخصًا من بينهم مدنيون، في حصيلة هي الأعلى في دمشق مقارنة بالعمليات السابقة.       ووقعت هذه العمليات الصاروخية على بُعد 2 كيلو مترات فقط من موقع السفارة الإيرانية في دمشق، بجانب أن موقع الضربات لا يبعد كثيرًا عن أبرز حي في العاصمة وفي سوريا كلها تنشط فيه إيران على مختلف المجالات الثقافية والعسكرية والدينية وهو حي السيدة زينب، الذي لا يمثل فقط قاعدة للميليشيات الإيرانية، بل إنه يشهد منذ سنوات عمليات بناء واسعة النطاق لفنادق ومباني من قِبل شركات تابعة لإيران ولـ “حزب الله” أبرزها “جهاد البناء”.

وعلى أي حال، يستحوذ حي كفرسوسة السوري على أهمية استراتيجية خاصة لدى النظام السوري ولدى إيران ومجموعاته المسلحة النشطة على الأراضي السورية منذ سنوات. ولعل مقتل القيادي البارز السابق في “حزب الله” اللبناني عماد مغنية في نفس هذا الحي في 12 فبراير 2008 قد يكون دلالة على تلك الأهمية لهذه المنطقة من سوريا التي تتجمع بها القوى الأمنية والعسكرية. وعليه، فإن إحدى الأسباب التي تجعل من هذه الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ذات تأثير وصدى أوسع هو وقوعها في منطقة أمنية من الدرجة الأولى في سوريا.

لماذا استهدفت إسرائيل كفرسوسة السورية؟

في ضوء أهمية المنطقة السورية التي شهدت الضربات الإسرائيلية مؤخرًا، نتطرق فيما يلي إلى أبرز العوامل التي دفعت إسرائيل إلى استهداف مواقع إيرانية في منطقة “كفرسوسة” بسوريا.

1 – ما بعد الزلزال: مساعدات إنسانية إيرانية أم أسلحة متطورة؟

تشكك إسرائيل في نقل إيران أسلحة متطورة إلى جماعاتها المسلحة في سوريا ضمن شحنات مساعدات إنسانية أرسلتها إليها مؤخرًا عقب وقوع الزلازل التي ضربت سوريا وتركيا بداية من 6 فبراير 2023 واستمرت لأيام. وكان هذا هو السبب الرئيس الذي دفع إسرائيل إلى ضرب مواقع في كفرسوسة خلال يوم 19 فبراير الجاري.

فقد حذّرت إسرائيل من سلك هذا الطريق قبلها بأيام، حينما هدد مسؤول أمني إسرائيلي بارز يوم 11 فبراير الجاري من أن إسرائيل “لن تتردد في قصف أي معدات إيرانية يتم إرسالها إلى الأراضي السورية تحت غطاء المساعدات الإنسانية”. وقال هذا المسؤول إن لدى إسرائيل معلومات ترجح أن طهران قد توظّف الوضع الراهن في سوريا بعد الزلازل لتحاول نقل أسلحة ومعدات عسكرية مختلفة إلى “حزب الله” اللبناني تحت غطاء المساعدات الإنسانية، مشددًا على أن إسرائيل قد كثّفت من مراقبة هذه الشحنات الإنسانية وتحديد ما تحتويه، وأن “عناصر الاستخبارات الإسرائيلية يعملون على تحديد مكان الشاحنات الإيرانية وحمولاتها”.

يُعد هذا التوضيح بمثابة إنذار مبكر من جانب إسرائيل بأنها بصدد شن هذه الهجمات التي جرت بالفعل صبيحة يوم الأحد 19 فبراير الجاري.  ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تشكك فيها إسرائيل بماهية المساعدات الإنسانية القادمة من إيران باتجاه سوريا وتقوم باستهدافها، حيث سبق أن استهدفت مواقع داخل سوريا في أكتوبر 2022 قالت إنها تلقت “دعمًا إنسانيًا” من إيران اشتمل على أسلحة ومعدات عسكرية. وبنظرة كاشفة، سنجد أن إسرائيل لطالما استهدفت خلال العقد الماضي هذه “الشحنات الإنسانية الإيرانية” عبر ثلاث طرق: 

● البر: من خلال استهداف الشاحنات القادمة عبر الحدود العراقية السورية، مثل تلك القافلة التي كانت تعبر الحدود العراقية مع سوريا في 8 نوفمبر الماضي واستهدفتها إسرائيل ووجدت أن من بين شاحناتها واحدة تحمل أسلحة إيرانية إلى سوريا.

● البحر: عبر استهداف السفن الإيرانية في البحر الأحمر والمتوسط، ومن بينها ما كُشف عنه في مارس 2021 من أن إسرائيل قد نفّذت 12 هجوم ضد سفن إيرانية في مواقع عدة من البحر الأحمر جنوبًا وحتى الساحل السوري في الشمال خلال الأشهر التي سبقت ذلك التاريخ.

● الجو: عبر مهاجمة مواقع تفريغ حمولات الطائرات من المعدات العسكرية بعد هبوطها في المطارات السورية. ومن بين ذلك ضرب سلاح الجو الإسرائيلي للمنطقة الفاصلة بين مطار دمشق الدولي وحي السيدة زينب في 14 فبراير 2020 لتدمير شحنة أسلحة كانت قد وصلت لتوها من إيران إلى سوريا جوًا.

2 – منع المزيد من التوسع الإيراني في سوريا في ظل انشغال روسي:   

ترى إسرائيل أن النفوذ الإيراني في سوريا، عسكريًا وسياسيًا، قد بدأ يتزايد منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قبل عام واحد، حيث باتت روسيا أكثر انشغالًا بأزمتها مع أوكرانيا والغرب منها إلى تطورات الموقف في سوريا. ولمّا كانت الأخيرة إحدى محاور وجبهات المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، فإن إسرائيل لا تريد مزيدًا من الأنشطة والتمركز الإيرانيين داخل سوريا.

وفي هذا السياق، تندرج الهجمات الإسرائيلية الأخيرة في كفرسوسة ضمن محاولات سابقة وجارية من جانب إسرائيل من أجل تقييد قدرات المجموعات المسلحة التابعة لإيران في سوريا وبالتالي الحد من انتشار وسيطرة وتوسع نفوذ طهران داخل سوريا. أي أن الهدف الرئيس من هذه العمليات التي جرت في 19 فبراير 2023 لم يكن مختلفًا مطلقًا عن أهداف العمليات المماثلة السابقة، مثل الهجوم الذي جرى في مارس 2022 ونجم عنه مقتل ضابطين بالحرس الثوري، والعملية الأخرى التي استهدفت مطار دمشق الدولي في يناير 2023، ألا وهو عدم تضخم النفوذ الإيراني في سوريا؛ خاصة في ظل ما تراه إسرائيل من انشغال روسي في الحرب الأوكرانية وتداعيات ذلك على المشهد السوري من ترجيح لتوسع الدور الإيراني.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75686/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M