سبيل التنمية: أفريقيا والتحول نحو الطاقة المتجددة

أسماء فهمي

 

يعد التنوع في مصادر الطاقة والتوسع فيها مفتاح التنمية الشاملة وأساس التصنيع في أفريقيا ، فبجانب توفير الطاقة الموثوقة لحماية المناخ ستستفيد التنمية الاقتصادية ككل وستظهر وظائف وفرص جديدة للصناعات بأكملها، وتعد الطاقة المستدامة والموثوقة لا غنى عنها في نفس الوقت لضمان تزويد الناس بالخدمات الأساسية المهمة مثل الرعاية الصحية ومياه الشرب الآمنة.

وبالنظر إلى حجم إمكانيات القارة الأفريقية التي لا مثيل لها فيما يخص مصادر الطاقة المتجددة فإن ذلك يدفعنا للقول بأن نقطة انطلاق إفريقيا في التحول في قطاع الطاقة قوية، ومع ذلك فإن إمدادات الكهرباء في إفريقيا متراجعة إلى حد كبير، حيث يواجه معظم الناس في أفريقيا جنوب الصحراء فقرًا حادًا في الطاقة، علاوة على ذلك تتخلف إفريقيا كثيرًا عن بقية العالم من حيث حجمها وعدد سكانها، فيما يتعلق بنشر الطاقات المتجددة، ومع ذلك فإن التوقعات تشير إلى أن أفريقيا يمكن أن تضاعف طلبها على الطاقة بحلول عام 2040،  وفيما يلي تسلط الورقة الضوء على عدد من النقاط المتعلقة بتحول افريقيا نحو الطاقة المتجددة.. وأهم المشاريع التي تم تنفيذها مؤخراً:

وضع قطاع الطاقة في افريقيا

تعد إفريقيا موطنًا لـ 17٪ من سكان العالم، ولكنها تمثل 4٪ فقط من الاستثمار في إمدادات الطاقة العالمية، وفيما يتعلق بتوفر الطاقة في افريقيا، فوفقاً لبيانات البنك الدولي فإن هناك ما يقارب من 760 مليون شخص في القارة الأفريقية من أصل (1.373)  مليار نسمة عام 2021 لا يحصلون على الكهرباء، وهذا يعني أن أقل من نصف سكان افريقيا يحصلون على الكهرباء، ويعيش معظم هؤلاء الأشخاص في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما أن ثلثي الشبكات الموجودة في إفريقيا تعتبر غير موثوقة، وبالتالي نجد أن عدم القدرة على الحصول على الكهرباء هو أحد التحديات التي تواجهها أفريقيا، كما أنه أحد أهم العقبات التي تعترض التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتشير البيانات إلى أن قدرة توليد الطاقة الكهربائية لمعظم البلدان الأفريقية تبلغ حوالي 28 جيجاوات، تنتج دولة جنوب إفريقيا حوالي 39 جيجاوات من الكهرباء، وهي أعلى نسبة في أي دولة أفريقية.

وأدى اعتماد معظم الدول الأفريقية على الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة وعلى عائدتها منه كمصدر أساسي للدخل، خاصة مع تمتعها بوفرة فيه، إلى تعرضها لهزات مالية واقتصادية كبيرة خاصة مع تفشي جائحة كوفيد-19 العالمية، والتي تسببت في انخفاض الطلب على منتجات الطاقة بالإضافة إلى تقلب الأسعار، ويُقدر أن الناتج المحلي الإجمالي في البلدان الأفريقية المصدرة للنفط على وجه الخصوص قد تقلص بنسبة 2.6٪ في عام 2020.

ومع تزايد مخاوف الاحتباس الحراري العالمي توجه العالم نحو تقليل استخدام الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة والتحول نحو الطاقة المتجددة، فهناك ما يقرب من 600 ألف حالة وفاة سنوياً في افريقيا مرتبطة بتلوث الطاقة بسبب استخدام الوقود الأحفوري،  وتم التحذير من استخدام مصادر الطاقة التقليدية مثل الحطب والفحم والتي أدى استخدامها إلى تقلص مساحات الغابات، بجانب تأثير الاحتباس الحراري على أنماط هطول أمطار غير متوقعة وفي بعض الأحيان محدودية تساقط الأمطار، وهو الأمر الذي أثر سلبًا على توليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا والتي يعتمد توليدها بشكل كبير على المسطحات المائية المتاحة.

مزيج توليد الطاقة في أفريقيا

ظل مزيج الطاقة في إفريقيا ثابتًا نسبيًا على مدار الثلاثين عامًا الماضية، وعلى الرغم من مشاريع الطاقة المتجددة الناجحة، لا يزال النطاق الإجمالي لمصادر الطاقة المتجددة في إفريقيا صغيرًا جدًا، ويهيمن توليد الوقود الأحفوري على مزيج توليد الطاقة الحالي في إفريقيا، وكان هناك تحول أكثر حداثة في مزيج الطاقة المتجددة من خلال تسريع تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لكنها لا تزال صغيرة عند 1.6 ٪، ويمكن الاطلاع على مزيج توليد الطاقة الحالي في أفريقيا من خلال الشكل التالي:

شكل يوضح: مزيج توليد الطاقة في أفريقيا خلال عام 2020

ونجد أنه قد يؤدي الاستغلال المستمر لاحتياطيات الوقود الأحفوري الحالية، إلى جانب اكتشافات الغاز الطبيعي الأخيرة، إلى إغراء بعض البلدان على تجاهل فوائد مزيج توليد الطاقة الأكثر تنوعًا والاعتماد بشكل أقوى على الوقود الأحفوري في توليد الطاقة.

وبحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، فإنه من المتوقع أن يضاعف النمو السكاني والاقتصادات الآخذة في التوسع في الطلب على الكهرباء في إفريقيا بحلول عام 2040، ولكي تحقق إفريقيا أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالطاقة، ستحتاج إلى مضاعفة قدرتها على التوليد بحلول عام 2030 ومضاعفة خمسة أضعاف بحلول عام 2050، وستعتمد الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لتلبية هذا الطلب على السياسات التي تضعها الحكومات الأفريقية لمواجهة التحديين التاليين:

  1. ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على طاقة حديثة وموثوقة ومستدامة بحلول عام 2030، فالحصول المستدام والآمن على الكهرباء في مواجهة الطلب المتزايد يتعلق بأكثر من مجرد تقسيم الأسر إلى من لديهم أو ليس لديهم توصيل للكهرباء، إنه يتعلق أيضًا بإمداد كافٍ وموثوق به يدعم الاستخدامات الإنتاجية ويخلق فرص العمل.
  2. تسخير الطاقة المتجددة من أجل تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية بجانب التخفيف من تغير المناخ، ستحتاج البلدان التي يهيمن فيها الوقود الأحفوري حاليًا على مزيج الكهرباء إلى الانتقال نحو اعتماد تقنيات الطاقة المتجددة والتخلص التدريجي من قدرة التوليد القائمة على الوقود الأحفوري.

ومع ذلك فإنه من المتوقع أن ينخفض إنتاج الطاقة من الفحم والنفط في إفريقيا بنحو 96٪ و 71٪ على التوالي بحلول عام 2050، وسيُعزى ذلك إلى انخفاض الطلب على الوقود الأحفوري على مستوى العالم مع قيام شركات النفط والغاز الدولية الرائدة بالفعل بإعادة تركيز محافظها لتشمل زيادة التعرض لمصادر الطاقة المتجددة، ومن المتوقع أيضاً أن تشهد الطاقة المتجددة مكاسب كبيرة في إفريقيا خلال العقود الثلاثة القادمة، حيث نمت قدرة توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بمعدل سنوي قدره 50.2٪ و 25.3٪ على التوالي بين عامي 2010 و 2020، وبحلول عام 2050 ، من المتوقع أن يزداد إنتاج الطاقة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بما يصل إلى 110 أضعاف و 40 مرة على التوالي، ويشير هذا إلى أن مزيج الطاقة في إفريقيا يشهد بالفعل تقدمًا ملموسًا في التحرك نحو توليد انبعاثات أقل وسيشهد نموًا هائلاً في مصادر الطاقة المتجددة في المستقبل.

الاستفادة من الطاقة المتجددة لمواجهة تحديات الطاقة في إفريقيا

وضع رؤساء الدول والحكومات الأفارقة خارطة طريق لتحقيق النمو والتنمية الشاملين والمستدامين، ومن الموضوعات المهمة التي يتم تناولها هو الحصول على طاقة ميسورة التكلفة وموثوقة ومستدامة للجميع – الهدف 7 من خطة التنمية المستدامة لعام 2030، هذا ويقف المجتمع الدولي والمنظمات المتعددة الأطراف والمانحون الثنائيون على استعداد للمشاركة مع البلدان الأفريقية في طريقهم نحو النمو المستدام والعمل معهم لتطوير وتنفيذ الحلول لتحقيق هذا الهدف.

وتتمتع القارة بإمكانية التركيز على مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة المائية والكتلة الحيوية والطاقة الشمسية بالإضافة إلى الطاقة الحرارية الأرضية لتوفير الطاقة الكهربائية الكافية للمواطنين، ووضع تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة لإفريقيا 2030 خارطة طريق واسعة النطاق لانتقال الطاقة في البلدان الإفريقية.

وتعمل إفريقيا حاليًا على تسريع تبني حلول الطاقة النظيفة بما يتماشى مع أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي، والهدف رقم 7 والهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. فعلى سبيل المثال تعمل دول أفريقية مثل مصر وإثيوبيا وكينيا والمغرب وجنوب إفريقيا بشكل تدريجي على توجيه جهود الطاقة المتجددة هذه، كما وضعت دول أفريقية أخرى مثل كابو فيردي وجيبوتي ورواندا وإسواتيني أهدافًا طموحة للطاقة المتجددة، والجدير بالذكر أن دول أفريقية أخرى تحذو حذوها، ويتم اعتماد الطاقة المتجددة بشكل تدريجي في جميع أنحاء القارة.

أهم مشاريع الطاقة المتجددة في إفريقيا في عام 2021

تم مؤخراً إطلاق العديد من المشاريع الكبيرة والتي ستعزز من مكانة إفريقيا كمنافس للطاقة النظيفة، ومن أهم مشاريع الطاقة المتجددة في افريقيا:

  • مشروع الهيدروجين الأخضر في ناميبيا: سيساعد المشروع الذي تبلغ تكلفته 9.4 مليار دولار، ووضعت الشركة المنفذة جدولًا زمنيًا مدته 40 عامًا لإنشاء وتشغيل المشروع. خلال المرحلة الأولى، وسيدخل المشروع في حيز الإنتاج عام 2026، وسيبدأ المشروع بإنتاج 2 جيجاوات من الكهرباء المتجددة ومع التوسع في الإنتاج ستزداد السعة إلى 5 جيجاوات.
  • محطة Chollet للطاقة الكهرومائية: في 12 أبريل 2021، وقعت الكونغو والكاميرون اتفاقية امتياز مع شركة China Gezhouba Group لبناء محطة كهرومائية بقيمة 700 مليون دولار على نهر دجا، ومع قدرة إنتاجية تقدر بـ 600 ميجاوات ومن المتوقع اكتمال المشروع في عام 2025، سيمكن المشروع من إنتاج الكهرباء التي تشتد الحاجة إليها لكل من الكونغو والكاميرون.
  • محطات الطاقة الشمسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية: وقعت شركة الكهرباء المملوكة للدولة في جمهورية الكونغو الديمقراطية اتفاقيات شراء الطاقة لمحطتين للطاقة الشمسية في منطقة حزام النحاس في البلاد، وتقع محطتا الطاقة الشمسية في بلدة كولويزي وليكاسي، وبقدرة تقدر بـ 100 ميجاوات لكل منهما، وستكلف محطتي الطاقة الشمسية 148 مليون دولار و157 مليون دولار على التوالي.
  • محطة موجالاكوينا للطاقة الشمسية: تم الاتفاق على بناء محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 100 ميجاوات في منجم موغالاكوينا في جنوب إفريقيا، وتشكل محطة الطاقة الشمسية جزءًا من استراتيجية الدولة الأوسع لدمج الطاقة المتجددة مع عمليات التعدين، وستساهم في حياد الكربون في المنجم مع تعزيز الكفاءة التشغيلية.
  • مشروع شمبا للطاقة الشمسية: ستقوم شركة Shumba Energy باستثمارات يبلغ مجموعها 950 ألف دولار أمريكي في مشروع الشركة للطاقة الشمسية والذي تبلغ تكلفته 80 مليون دولار، بطاقة 100 ميجاوات في بوتسوانا، مع التمويل الكامل المتوقع بحلول الربع الثاني من عام 2022 سيمثل المشروع الأكبر في بوتسوانا، وهي خطوة مهمة في تحول الشركة من الاستثمار في الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة.
  • 8 محطات شمسية في غانا: أعلنت حكومة غانا عن خطط لبناء ثماني محطات للطاقة الشمسية في غانا، ومن المتوقع أن يبدأ اختيار الموقع في الربع الأول من عام 2022، مع تحديد سعة المصنع حسب الحجم والمواصفات المقدمة من قبل المستثمرين.
  • مشاريع الطاقة المتجددة بجنوب إفريقيا: في إطار برنامج مشتريات منتجي الطاقة المستقلين للطاقة المتجددة في جنوب أفريقيا سيتم شراء ما يقدر بنحو 2600 ميجاوات من الطاقة المتجددة، منها 1600 ميجاوات تشمل طاقة الرياح البرية و1000 ميجاوات من الطاقة الشمسية. ومن بين مقدمي العطاءات المائة، تم اختيار 25 من قبل دائرة الموارد المعدنية والطاقة.
  • مشاريع الطاقة المتجددة في مصر: نفذت مصر عدة مشاريع لإنتاج الطاقة الشمسية ومنها المحطة الشمسية الحرارية بالكريمات، مجمع بنبان الشمسي للخلايا الفوتو فولطية بقدرة 1465 ميجاوات، محطة الخلايا الفوتو فلطية بكوم امبو بقدرة 26 ميجاوات بالتعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية، محطات خلايا فوتو فولطية موزعة متصلة بالشبكة بنظام صافي القياس بقدرة 100 ميجاوات، محطات خلايا فوتو فولطية لامركزية منفصلة عن الشبكة بقدرة 32 ميجا وات، كما أن هناك محطات تحت الإعداد (أكثر من 1170 ميجا وات).

وقامت مصر بتنفيذ عدة مشاريع لإنتاج طاقة الرياح ومنها مزرعة رياح الزعفرانة (545 ميجا وات)، ومزرعة رياح جبل الزيت (580 ميجاوات)، ومحطة رياح قطاع خاص بخليج السويس بقدرة (250 ميجاوات)، ومحطات تحت الإعداد (أكثر من 2400 ميجاوات).

وأخيراً، فإنه سيتطلب تسريع التحول نحو الطاقة المتجددة بجانب تنفيذ أهداف التنمية المستدامة وجعل هذه الأهداف الطموحة حقيقة واقعة إرادة سياسية، وزيادة التكامل الإقليمي والقاري، وتنفيذ سياسات تحسين قطاع الطاقة، لتكون جزءًا من أي مبادرة سياسية لدعم القضاء على فقر الطاقة وتحقيق تنمية منخفضة الكربون لقطاعات الكهرباء الأفريقية بحلول عام 2050، ولضمان النجاح والاستدامة، يجب أن يكون هناك انتقال عادل للطاقة بما يضمن تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية واسعة، ويعد بناء القدرة المؤسسية لتطوير وتنفيذ السياسات الوطنية من أجل الحصول الشامل على الكهرباء مع متابعة التنمية منخفضة الكربون لقطاعات الطاقة في أفريقيا هو أولوية شاملة في جميع مراحل تحول الطاقة، ويتطلب الانتقال الشامل للطاقة المتجددة في القارة مبادرات أوسع وأكثر تضافراً بين الدول الأفريقية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/18462/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M