“قمة سمرقند”: استحضار روح شنغهاي لتجسيد التعاون والتفاهم المتبادل

 أحمد السيد

 

في خِضم التحديات التي تواجه عالم اليوم، ومحاولة إيجاد حلول لتلك المُشكلات؛ يعقد الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) القمة الثانية والعشرين لمجلس رؤساء دول المنظمة خلال يومي 15 و16 سبتمبر 2022 في مدينة “سمرقند” بأوزباكستان. ويتزامن اجتماع رؤساء الدول الأعضاء لمنظمة شنغهاي هذه المرة مع تزايد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وفرض عقوبات غربية قاسية على روسيا وحلفائها؛ الأمر الذي يُضفي أهمية متزايدة على القمة، مع استحضار روح شنغهاي لمناقشة القضايا الدولية والإقليمية فضلًا عن التعاون بين الدول الأعضاء داخل المنظمة.

وستشهد قمة “سمرقند” حضور الدول الأعضاء “روسيا والصين والهند وكازاخستان وقيرغيزستان وباكستان وطاجيكستان وأوزباكستان”، إلى جانب دول المراقبة أفغانستان وبيلاروسيا وإيران ومنغوليا، وستحضر القمة الدول الشركاء أرمينيا، وأذربيجان، وكمبوديا، ونيبال، وسريلانكا، وتركيا، بالإضافة إلى ممثلين من رابطة دول جنوب شرق اّسيا، ورابطة الدول المستقلة والأمم المتحدة. وقبل أن نتطرق للقمة وأهميتها وأبرز القضايا على جدول أعمالها، سنقوم بإلقاء لمحة سريعة عن إرهاصات تشكيل المنظمة.

منظمة شنغهاي للتعاون

في عام 1996، دخلت كازاخستان وجمهورية الصين الشعبية وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان في معاهدة جماعية لإنشاء تحالف يسمى “شنغهاي”؛ بهدف اتخاذ خطوات لتعزيز أمن الحدود والتعاون السياسي في المنطقة. ومنذ تأسيسها، كان الهدف من إنشاء المنظمة أن تكون ركيزة قوية للسلام والتنمية.

وقد مرت منظمة شنغهاي للتعاون بالعديد من المراحل التي شهدت تطويرًا كبيرًا على مدار نشأتها، والتي حددت خلالها أهدافها بِدقة كبيرة، وكانت أهم مرحلتين هما:

  • المرحلة الأولى:

بدأت في عام 1996، عندما تم وضع المبادئ والأطر المؤسسية لإنشاء علاقات متعددة الأطراف بين الدول الأعضاء. تميزت هذه المرحلة بتطبيع العلاقات فيما يتعلق بعدد من المشاكل الرئيسية: منها الأمن، ومنع النزاعات المحتملة بين الدول الأعضاء. فتم الاتفاق في قمة موسكو 1997 على إبرام اتفاقية بشأن التخفيضات المتبادلة للقوات المسلحة في المناطق الحدودية. وفي قمة كازاخستان 1998، تم الاتفاق على تعزيز التعاون الدفاعي الإقليمي، إضافة إلى تضمينها صفقة تعزز من التبادل التجاري والاقتصادي. وفي قمة قيرغيستان 1999، وقع رؤساء الدول الأعضاء على بيان لتنفيذ خطوات بناء الثقة والحفاظ على التعاون فيما يتعلق بإدارة الحدود.

واتسمت تلك المرحلة بتوسيع عمليات المنظمة، كالتعاون في مواجهة التهديدات الإرهابية والتطرف والمشاكل الطائفية. وفي القمة الخامسة التي عقدت في طاجيكستان عام 2000، تم الاتفاق على تعزيز جهود دول المنظمة لإقامة تعاون في عدد من القضايا الرئيسة، مثل الدفاع، والأمن، وإنفاذ القانون، والسياسة الخارجية، والمالية، والبيئة، والموارد المائية والثقافة وغيرها في العديد من القضايا.

المرحلة الثانية:

بانضمام دولة أوزباكستان لعضوية المنظمة في عام 2001، يُمكن اعتبار هذا العام بداية المرحلة الثانية في تاريخ المنظمة -ووفقًا لبعض المحللين-لعبت مشاركة أوزبكستان دورًا مهمًا في أنشطة المنظمة، وانتقل مجال عملها من كونها تركز على حل النزاعات بين الدول الأعضاء إلى إيجاد صيغة شاملة لمناقشة القضايا واسعة النطاق، وتم تبني بعض الإعلانات المهمة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والطائفية والعنصرية، كوثائق رسمية للأمم المتحدة.

العوامل التي أسهمت في بلورة منظمة شنغهاي للتعاون

في حِقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي، شهدت آسيا الوسطى مجموعة كبيرة من التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى التغير الاستراتيجي الذي نتج عنه إحداث تحول في العلاقات الإقليمية والعالمية، الأمر الذي جعل من آسيا الوسطى منطقة مهمة للغاية على الساحة العالمية، لعدد من الأسباب منها:

  • احتواء المنطقة على كميات وفيرة من الطاقة في آسيا الوسطى وبحر قزوين.
  • طبيعة الموقع الجيوستراتيجي المهم لدول آسيا الوسطى بين القوى كروسيا والصين والهند وإيران.
  • المشكلات والتحديات المشتركة لدول المنطقة، وعلى رأسها تنامي الإرهاب والتجارة غير المشروعة للمخدرات. والأصولية الدينية، ومشكلات المياه، والجرائم العابرة للحدود، ومشكلات أمن الحدود.

كل تلك التحديات مثلت مخاطر أمنية كبيرة لدول آسيا الوسطى، الأمر الذي دفع عددًا من دول المنطقة إلى تشكيل تحالف فيما بينها، فضلًا عن توحيد جهودهم المشتركة للتغلب على هذه التحديات، من هنا كانت الإرهاصات الأولى لإنشاء “منظمة شنغهاي للتعاون”.

الأهمية الجيوستراتيجة لمنظمة شنغهاي للتعاون

نمت منظمة شنغهاي للتعاون لتصبح أكبر مؤسسة إقليمية وأكثرها اكتظاظًا بالسكان في العالم، وسعت إلى استكشاف أرضية جديدة، من الناحية النظرية والخطوات الفعلية؛ بهدف بناء نوع جديد من العلاقات الدولية ومجتمع مصير مشترك للبشرية.

من الناحية الجغرافية، تُمثل الدول الأعضاء في المنظمة أكثر من 30 مليون كم²، أي ما يعادل ثلاثة أخماس أوراسيا، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 3.5 مليار نسمة، أي ما يقرب من نصف إجمالي سكان العالم. وهو الأمر الذي يراه العديد من المحللين بمثابة قوة كبيرة تدفع منظمة شنغهاي للتعاون إلى التطلع نحو تنظيم عالمي متعدد الأطراف، على تكون دول المنظمة أحد جذور هذا المجتمع.

وأدى انضمام منغوليا وإيران والهند وباكستان إلى المنظمة كدول مراقبة إلى زيادة كبيرة في المساحة الجغرافية والديمغرافية والمالية. وأصبحت الهند وباكستان دولتين كاملتين العضوية في المنظمة في يونيو 2017، مما زاد من الوزن السياسي التنظيمي للمنظمة، لكن في الوقت ذاته أثار انضمامها الكثير من القلق خوفًا من عدم قدرتهما على حل الخلافات التي كانت بينهما، وتحسبًا من امتداد تلك المشكلات لعمل المنظمة، بما يشل من حركتها. وتضم المنظمة أربع دول تمتلك أسلحة نووية، اثنتان منهم -روسيا والصين– وهم دولتان عضوتان دائمتان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

أهمية “قمة سمرقند”

تأتي قمة سمرقند هذا العام بعد توقف اجتماعات منظمة شنغهاي لأكثر من ثلاث سنوات بسبب جائحة “كوفيد-19” والتي تسببت في اضطرابات كبيرة للعالم في كافة المجالات، الأمر الذي دفع قادة دول منظمة شنغهاي إلى التواصل مرة أخرى؛ سعيًا إلى بلورة عمل مُشترك لإيجاد حلول للتحديات التي يواجهها العالم. وتستقطب قمة سمرقند اهتمامًا متزايدًا هذا العام لعدد من الأسباب منها:

أولًا: تزايد سلطة منظمة شنغهاي للتعاون وأهميتها في الشؤون العالمية بشكل مطرد، مع سعي دول أخرى إلى الانضمام للمنظمة.

ثانيًا: تدهور الوضع العالمي بشكل كبير هذا العام، فظهرت تحديات عالمية جديدة لا يمكن لقادة منظمة شنغهاي للتعاون التغاضي عنها. وكذا سينصب جزء كبير من التركيز على الاجتماعات التي ستجري بين الرئيسين الصيني “شي جين بينغ” والروسي “فلاديمير بوتين”.

ثالثًا: إعلان الرئيس الأوزبكي “شوكت ميرضيايف”، إن قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند ستشكل مثالًا على كيفية إطلاق حوار جديد وشامل قائم على مبادئ الاحترام المتبادل والثقة والتعاون البنّاء من أجل الأمن والازدهار المشترك للجميع.

قضايا بارزة على أجندة “قمة سمرقند”

من المتوقع أن يخطط المشاركون في القمة لمراجعة وضع التعاون متعدد الأطراف وآفاقه في المستقبل القريب وتحديد الأولويات والإجراءات العملية لتكثيف أنشطة المنظمة في المرحلة الحالية. مع التركيز على تعزيز دور منظمة شنغهاي للتعاون في الشؤون العالمية في ضوء الحقائق الجيوسياسية الراهنة، وقد يتطرق المجتمعون إلى عدد من القضايا من بينها:

  • مسألة العضوية

في العام الماضي، أطلقت منظمة شنغهاي للتعاون إجراءات لقبول إيران كدولة كاملة العضوية. علاوة على ذلك، منحت السعودية ومصر وقطر مكانة شركاء في شنغهاي. وستناقش قمة هذا العام مذكرة التفاهم الخاصة بانضمام إيران إلى المنظمة. وقد قدمت بيلاروسيا كذلك رسميًا طلبًا للحصول على العضوية الكاملة، من المحتمل مناقشته على جدول أعمال القمة.

  • المستقبل المشترك للبشرية

من المتوقع أن تحافظ منظمة شانغهاي للتعاون باستمرار على “روح شنغهاي”، وأن تلتزم ببناء مجتمع أوثق لمنظمة شانغهاي للتعاون مع مستقبل مشترك للجميع، وتقديم مساهمات أكبر للسلام الدائم والتنمية المشتركة في العالم. ومن المتوقع أن يناقش المشاركون أيضًا قضايا تغير المناخ، وأمن سلاسل التوريد والطاقة والغذاء، وهي عوامل لها تأثير كبير على رفاهية البشرية جمعاء.

  • إزالة الدولرة

قد يضع المجتمعون خِطة للزيادة التدريجية لحصة العملات الوطنية في التسويات التجارية والاقتصادية المتبادلة وتقليص استخدام الدولار الأمريكي في معاملاتهم.

  • مناقشة القضايا الدولية

في ظل تدهور الوضع الدولي بشكل كبير، خاصة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، والتوترات بين الصين وتايوان، والعلاقات المضطربة بين واشنطن وبكين وواشنطن وموسكو؛ فمن المتوقع أن تحظى كل تلك القضايا بمساحة كبيرة على أجندة القمة.

  • تنسيق جهود دول المنظمة

سيركز المجتمعون التأكيد على تعزيز وتنسيق التعاون بين دول المنظمة وخاصة تنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات والجريمة المنظمة، وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المُشترك.

في الأخير، قد تشهد “قمة سمرقند” ولادة مرحلة جديدة في حياة منظمة شنغهاي للتعاون؛ إذ من المتوقع أن يزداد عدد أعضائها، ومن المتوقع أيضًا أن يصدر عن القمة “إعلان سمرقند” الذي سيكون بمثابة إعلان سياسي شامل حول موقف منظمة شنغهاي للتعاون من القضايا الدولية. مع تشكيل أجندتها المستقبلية بما يتماشى مع أهداف وطموحات أعضائها في ظل الوضع الدولي الراهن، ويُعزز في الوقت نفسه من الحوار والتفاهم والتعاون بين أعضائها.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72880/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M