مواجهة غير مُتماثِلة في بحر الصين الجنوبي: دور الميليشيات البحرية الصينية في النزاع بين بيجين والفلبين

  • تُقدِّم المواجهة بين الصين والفلبين مثالاً واضحاً حول كيفية استخدام الصين للميليشيات البحرية لخدمة أهدافها وطموحاتها الجيوسياسية، لاسيما بعد أن وصلت العلاقات بين الجانبين إلى مرحلة معقدة في ضوء سلسلة مواجهاتهما خلال عام 2023. 
  • نظراً للأهمية الاستراتيجية للميليشيات البحرية، فقد عُدَّت ثالث أهم قوة بحرية صينية بعد القوات البحرية، وخفر السواحل. ويتوقَّع أن يتزايد نموها ليتجاوز القوتين البحريتين الأخريين خلال السنوات الخمس المقبلة.
  • تسمح الميليشيات البحرية للصين بتأكيد مطالباتها الحدودية البحرية، وجمع المعلومات الاستخباراتية، والتضييق على السفن في مناطق المياه المتنازع عليها، وتعطيل سلاسل الإمداد الإقليمية، والدخول باستمرار في مواجهات منخفضة الكلفة مع القوات البحرية للقوى المنافسة كاليابان والولايات المتحدة.
  • يَترُك استخدام الميليشيات البحرية في بحر الصين الجنوبي الباب مفتوحاً أمام خطر الحسابات الخاطئة، التي يمكن أن تدفع بالمنطقة نحو صراع مباشر قد يُخِلُّ بحالة التوازن العسكري الإقليمي، ويُنتِج تداعيات اقتصادية مباشرة تلقي بآثارها على الممرات التجارية الحيوية للتجارة العالمية.

 

تصاعدت التوترات بين الصين والفلبين في بحر الصين الجنوبي. وحذَّرت الصين الفلبين، في 16 مارس الجاري، من تعزيز مواقعها حول جزر صغيرة متنازع عليها، قائلة إن مانيلا لجأت إلى «الخداع»، وأن تلك الجهود «محكوم عليها بالفشل». وفي ظل هذه التوترات، التي بدأت تتخذ بعداً دولياً، تتموضع الميليشيات البحرية الصينية في مقدمة استراتيجية أسطول جيش التحرير الشعبي، بالتزامن مع توسُّع صلاحياتها مؤخراً.

 

تُحلل هذه الورقة ظاهرة الميلشيات البحرية الصينية لفهم دورها، وأهميتها، وتأثيرها، والتداعيات المترتبة على وجودها، في سياق النزاع البحري بين بيجين ومانيلا.

 

مواقع تمركز الميليشيات البحرية الصينية ونموها

عمَّقت سياسة “إغراق” بيجين المواقع المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي بالسفن، ورد الحكومة الفلبينية، بدعم الولايات المتحدة، الأزمة خلال الأسابيع الماضية. وتستعرض البيانات مواقع الميليشيات البحرية الصينية، ومدى مرونتها وانتشارها في بحر الصين الجنوبي بشكل عام (الشكل 1). وحددت صور الأقمار الصناعية التي فُحِصَت من قبل مبادرة الشفافية البحرية الآسيوية عدداً من المواقع التي تمركزت فيها سفن الميليشيات الصينية بشكل متكرر خلال عام 2023. وفي كل موقع موضح في الشكل 1، أظهرت صور الأقمار الصناعية وجوداً مستمراً للميليشيات البحرية الصينية، إلا أن البيانات الواردة لم تثبت شموليتها بالنظر إلى أن هذه الدراسة، على أهميتها، أخذت في الاعتبار فقط السفن التي يتراوح طولها بين 45 إلى 65 متراً، ما يعني أن السفن الأصغر حجماً، وتلك التي اقتصر دورها على المرور، لم تُضمَّن في النتائج. بالإضافة إلى ذلك، لم تُدرَج جميع المواقع المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، ما يفسح المجال لاستخلاص المزيد من البيانات.

 

الشكل 1: انتشار قوارب المليشيات البحرية الصينية في بحر  الصين الجنوبي        

المصدر: مبادرة الشفافية البحرية الآسيوية، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، 28 فبراير 2024. 

 

وعلى رغم هذه القيود البحثية، يتضح أن الميليشيات البحرية الصينية تنشط بشكل واضح في بحر الصين الجنوبي، وبزيادة تُقدَّر بحوالي 35% عن دراسة نشرتها مبادرة الشفافية البحرية الآسيوية سابقاً، وشملت 12 شهراً في عامي 2021 – 2022.  ووفقاً لهذه الدراسة، تأكَّد، في منتصف عام 2023، أن أكثر من 180 سفينة تابعة للميليشيات البحرية الصينية تجمَّعت في جزر “ميستشيف” بعد أن لوحظ وجودها بكثافة أقل خلال الأشهر السابقة. ويبدو أن هذا الحشد جاء بالتزامن مع محاولة الفلبين إعادة إمداد موقعها العسكري (وهو عبارة عن سفينة حربية متهالكة تعود للحرب العالمية الثانية، تُعرَف باسم “سييرا مادري”، وتوظفها مانيلا لتأكيد سيادتها على المنطقة) في منطقة “سكند توماس شول”.

 

وكشفت بيانات، أوردها تقرير لموقع بلومبيرغ، تنفيذ سفن الميليشيات البحرية مناوبة موسمية، مع تراجع وجودها في المنطقة بدايةً من أواخر شهر ديسمبر وحتى منتصف شهر فبراير، على الأرجح بسبب عطلة السنة الصينية الجديدة. ومع ذلك، فقد لوحظ أكبر تجمع لسفن الميليشيات البحرية الصينية في منطقة “شعاب هيوز ويستون”، مما يؤكد الأهمية الاستراتيجية لهذه المواقع باعتباره مرسىً مُفضلاً لها. وبالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية للميليشيات البحرية وظهورها المتزايد، فقد عُدَّت ثالث أهم قوة بحرية صينية بعد القوات البحرية، وخفر السواحل. ومن المتوقع أن يتزايد نموها ليتجاوز القوتين البحريتين الأخريين خلال السنوات الخمس المقبلة (الشكل 2).

 

الشكل 2: نمو القوات البحرية الصينية منذ عام 2000

المصدر: “الأفضلية في البحر: التفوق من خلال قوة بحرية متكاملة”، واشنطن العاصمة: البحرية الأمريكية، وقوات مشاة البحرية الأمريكية، وخفر السواحل الأمريكي، 17 ديسمبر 2020.

 

دعم عمليات أسطول جيش التحرير الشعبي

تُعرّف الصين الميليشيات البحرية على أنها “منظمة مسلحة كبيرة، تتكون من أفراد مدنيين يحتفظون بوظائفهم العادية”، وهي منظمة تساعد أسطول جيش التحرير الشعبي في إنجاز المهام الأمنية واللوجيستية المتعلقة بالأعمال العسكرية. والميليشيات كيان منفصل عن الأسطول وخفر السواحل، وتتكون من مجموعة من المدنيين مِمَّن يعملون في الاقتصاد البحري، وتربطهم علاقات وطيدة بالقوتين السابقتين. وقد أُوكِلَت “هيئة تعبئة الدفاع الوطني” تاريخياً بإدارة الميليشيات وتعبئتها بالشراكة مع “هيئة الدولة لنظام الدفاع عن الحدود والسواحل”، وهو ما يخلق بعض الالتباس حول الجهة المسؤولة بشكل رئيس عن قيادة أنشطة الميليشيات أو التصريح بها، بالنظر إلى تداخل المسؤوليات والمهام بين المؤسستين. ولهذه الأسباب، دعا قادة أسطول جيش التحرير الشعبي إلى تبسيط وتوحيد هيكلة الميليشيات وقيادتها، وتحسين التوافق بين مختلف المؤسسات المسؤولة عنها.

 

وعلى الرغم من هذه المعضلات الهيكلية، تسمح الميليشيات البحرية للصين بتأكيد مطالباتها الحدودية البحرية، وجمع المعلومات الاستخباراتية، والتضييق على السفن في مناطق المياه المتنازع عليها، وتعطيل سلاسل الإمداد الإقليمية، والدخول باستمرار في مواجهات منخفضة الكلفة مع القوات البحرية للقوى المنافسة كاليابان والولايات المتحدة، بالإضافة إلى تقديم الدعم لأسطول جيش التحرير الشعبي لتعزيز وجوده في المناطق المتنازع عليها، من خلال تبني استراتيجيات تتمثل في إقامة الميليشيات معسكرات على الجزر والشعاب المتنازع عليها لمدة قد تصل لأسابيع، بهدف منع الوصول إليها. وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، حُشِدَت الميليشيات البحرية الصينية بالقرب من منطقة “سكند توماس شول” (الشكل 3) لفرض مطالبة بيجين بهذه الشعاب المتنازع عليها، وفي بعض الحالات، احتشدت العشرات من السفن التابعة للميليشيات البحرية داخل هذه الشعاب وخارجها، كما نشرت الميليشيات، في بعض الأحيان، سفناً أكبر حجماً وأكثر قوة، مما عكس صورة تصعيد سياسة الترهيب الصينية والمزيد من الاستعراض غير المباشر لقوتها البحرية.

 

الشكل 3: أهم الحوادث في بحر الصين الجنوبي خلال عام 2023

المصدر: ستراتفور، 23 مارس 2023. 

 

وثمة محددات تؤدي دوراً محورياً في تصاعد نسق استعانة أسطول جيش التحرير الشعبي بالميليشيات البحرية لتنفيذ استراتيجية بيجين البحرية، من بينها الآتي:

 

1. التنافس الجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة في شرق آسيا. وإلى جانب زيادة التموضع العسكري الأمريكي، شهدت التطورات تشكيل تحالف كواد، وتوقيع اتفاقية أوكوس. ومن المحتمل أن يشهد تحالف أوكوس إضافات جديدة (تأمل اليابان ونيويلندا وكندا في الانضمام للاتفاقية الأمنية). وينظر لهذه التطورات باعتبارها تهديدات للصين، ومحاولاتها المباشرة لاحتواء طموحاتها ومواجهة مطالباتها بالممرات المائية المتنازع عليها. واستجابةً لهذه التهديدات، عززت بيجين من استخدامها للميليشيات البحرية لمواجهة البيئة الأمنية المتغيرة، والتصدي للتحالفات المناهضة للصين.

 

2. قرار محكمة التحكيم الدائمة الصادر في عام 2016، الذي أيَّد دعوى رفعتها الفلبين ضد مطالبة الصين بحقوق سياسة تاريخية على بحر الصين الجنوبي، وهو ما عَدَّتهُ بيجين هزيمة قوية لها. ومنذ 2016، سرَّعت الصين من سياسة تعزيز دور ميليشياتها البحرية وأهميتها، ليس فقط من أجل رفض الحكم، ولكن أيضاً لإظهار معارضتها للنظام الدولي بقيادة واشنطن.

 

3. الاتهامات الغربية والإقليمية للصين بتوسيع وجودها البحري في بحري الصين، وبناء قوتها البحرية لاحتمالية حصارها لتايوان أو ضمّها. وتوفر الميليشيات إمكانية الإنكار عبر سياسة “المنطقة الرمادية” التي تشوش هوية هذه السفن.

 

الميليشيات البحرية الصينية والمواجهة مع الفلبين

تُقدِّم المواجهة بين بيجين ومانيلا مثالاً واضحاً حول كيفية استخدام الصين للميليشيات البحرية لخدمة أهدافها وطموحاتها الجيوسياسية، لاسيما بعد أن وصلت العلاقات بين الجانبين إلى مرحلة معقدة في ضوء سلسلة المواجهات خلال عام 2023، وأيضاً في ضوء تبنّي مانيلا موقفاً أكثر حزماً فيما يتعلق بمطالبها البحرية في بحر الصين الجنوبي. وللاحتجاج علناً على “تعديات” الصين، لجأت الفلبين إلى استراتيجية “الشفافية الحازمة“، من خلال حشد وسائل الإعلام العالمية، والغربية خصوصاً، لتسليط الضوء على ممارسات بيجين عن قرب، بالإضافة إلى توظيف علاقاتها الأمنية المتجددة مع الولايات المتحدة لموازنة الصين.

 

وبدأ التصعيد منذ مارس 2023، عندما تجمَّعت أكثر من 40 سفينة صينية حول جزيرة “ثيتو”، التي يعيش عليها مدنيون. وفي أغسطس، وقعت أول حادثة مُسجَّلة استخدمت فيها الميليشيات الصينية خراطيم المياه ضد سفينة فلبينية كانت تُعيد إمداد موقع “سييرا مادري” في منطقة سكند توماس شول. وفي 3 ديسمبر 2023، نشر أحد عناصر خفر سواحل الفلبين مقطع فيديو يصور 135 سفينة صينية وهي تتجمع بالقرب من شعاب “ويتسون”. وفي 5 مارس 2024، اصطدمت سفن الجانبين، اتهمت الفلبين الصين بالسعي إلى إزالة سفينة “سييرا مادري” تماماً من منطقة “سكند توماس شول”، من خلال إصدارها أوامر للميليشيات البحرية بتعطيل عملية إمدادها. وأسفرت هذه المواجهة عن إصابة أربعة من أفراد البحرية الفلبينية. ونتيجة لذلك، استدعت مانيلا أحد دبلوماسيي السفارة الصينية للاحتجاج على الحادث، الذي دفع رئيس الفلبين، فرديناند ماركوس جونيور، إلى وصف وجود السفن الصينية في المنطقة بـ”المثير للقلق”. ورداً على هذه التصريحات، ألقت الصين باللوم على الفلبين في الحادث قائلة إن مانيلا نكثت بوعودها، وانتهكت سيادة الصين الإقليمية، وحقوقها ومصالحها البحرية، وطالبت الفلبين بتحمُّل المسؤولية كاملة، وأنه يتعيّن عليها أن توقف أعمالها “الاستفزازية” في بحر الصين الجنوبي.

 

وفي 11 مارس، سرَّب مسؤولون صينيون تفاهمات جرت بين بيجين والرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي حول السماح للفلبين بتسيير مهام إعادة إمداد إلى السفينة “سييرا مادري”، طالما أن هذه المهام تتضمن سفينة واحدة فقط، ولا تقوم بتسليم مواد بناء بكميات كبيرة قد تساعد على ترميمها.

 

وفي 24 مارس، أعلن مستشار الأمن القومي في مانيلا، أن ثلاثة جنود فلبينيين أصيبوا، في اليوم السابق (23 مارس)، بعد أن أطلق خفر السواحل الصينيين مدفعاً مائياً على سفينة إمداد فلبينية قبالة جزيرة “سكند توماس شول”. في حين قال خفر السواحل الصيني إنَّه اتخذ تدابير ضد سفن فلبينية في المياه المتنازع عليها، وحذَّرت وزارة الدفاع الصينية، الفلبين، مُجدداً، من الأعمال “الاستفزازية” في بحر الصين الجنوبي، قائلةً إنها ستحمي “سيادتها الإقليمية وحقوقها ومصالحها البحرية بقوة”.

 

ويُتوقَّع أن تستمر المواجهات بين الصين والفلبين، وأن تتصاعد حدتها في بحر الصين الجنوبي، خلال عام 2024. وفي حال استمر مسار التصعيد دون ضغوط دولية وإقليمية فعالة لمنع خروج المواجهة عن السيطرة، فإنه أهم تداعياته المتوقعة ستتمثل في الآتي:

 

1. يترك استخدام الميليشيات البحرية الباب مفتوحاً أمام خطر الحسابات الخاطئة، والتي يمكن أن تدفع بالمنطقة نحو صراع مباشر. ومن شأن هذا السيناريو أن يخل بحالة التوازن العسكري الإقليمي، وينتج تداعيات اقتصادية مباشرة ستلقي بآثارها على الممرات التجارية الحيوية للتجارة العالمية. فعلى سبيل المثال، قد تعرقل أي مواجهة إمكانية الوصول إلى مصايد الأسماك واحتياطات الطاقة، وهي ذات أهمية كبيرة لدول الإقليم.

 

2. قد ينتج الضغط البحري الصيني رد فعل من قبل عدد أكبر من الدول الأخرى المُطالِبَة بالسيادة في بحر الصين الجنوبي، مثل تايوان وماليزيا وإندونيسيا (الشكل 4)، من طريق: إما زيادة الإنفاق الدفاعي، أو تعزيز العلاقات الأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة، وهو ما قامت به الفلبين بالفعل، عبر شراء المزيد من المعدات العسكرية والأسلحة من الولايات المتحدة واليابان، بهدف الردع. ويجب أن ينظر إلى هذه السياسة باعتبارها خطوة على سلم التصعيد إذا استمرت التهديدات البحرية الصينية في النمو. ومع ذلك، وحتى الآن، امتنعت مانيلا عن تفعيل اتفاقية الدفاع مع الولايات المتحدة، وهو مؤشر على رغبتها في الحفاظ على الأمر الواقع، وعدم الدخول بمواجهة مع بيجين. لكن إذا ما تقلَّصت خيارات الفلبين، أو شعرت بأنها لم تعد قادرة على الاستمرار في التعامل مع التهديدات البحرية الصينية، فقد يحدث تغيرٌ في هذا الموقف.

 

الشكل 4: الخلافات البحرية في بحر الصين الجنوبي والمناطق المجاورة

المصدر: ستراتفور، 24 أكتوبر 2023.

 

3. قد لا تقتصر التداعيات الناتجة عن التصعيد على المنطقة فحسب، وإنما قد يجتذب المزيد من القوى الدولية المتوسطة، مثل بريطانيا وفرنسا إلى جانب حلف الناتو، إلى ساحة التنافس، مما سيعزز من المنافسة والتقلبات الإقليمية، ويؤدي في النهاية إلى زيادة احتمالات سوء التقدير والأخطاء.

 

ردود الفعل الأمريكية والدور المستقبلي للميليشيات البحرية الصينية

أعربت الولايات المتحدة باستمرار عن مخاوفها بشأن استخدام الصين للميليشيات البحرية، كما دعت إلى ضبط النفس واحترام القانون الدولي وحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. ووسّعت الولايات المتحدة من وجودها العسكري والدبلوماسي في منطقة الإندو-باسيفيك، باعتبار ذلك من ضمن التدابير المضادة لردع أنشطة الصين وطموحاتها البحرية (الشكل 5). وعلَّقت ليندسي فورد، نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون جنوب وجنوب شرق آسيا، على أنشطة الصين في بحر الصين الجنوبي، خصوصاً سياسة توظيف الميليشيات البحرية، بالقول: “يعد التعاون الوثيق مع حلفائنا وشركائنا أمراً أساسياً للحفاظ على سياسة الردع، وتعزيزها في منطقة الإندو-باسيفيك، وتشمل بحر الصين الجنوبي”، وذلك أثناء شهادتها أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، في 28 سبتمبر 2023.

 

وفي قمة كامب ديفيد التي عُقِدَت في 18 أغسطس 2023، أدان قادة الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية الصين، ونددوا بسلوكها “العدواني” في بحر الصين الجنوبي. بالإضافة إلى ذلك، صرَّح الرئيس الأمريكي، جو بادين، في عدة مناسبات بأن الولايات المتحدة ستدافع عن الفلبين في حال تعرَّضت لأي هجوم في بحر الصين الجنوبي. وخلال ترحيبه برئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، في 25 أكتوبر 2023، بالبيت الأبيض، قال الرئيس بايدن إن “أي هجوم على الطائرات الفلبينية، أو سفنها، أو قواتها المسلحة، سيُفعِّل تلقائياً اتفاقيتنا الدفاعية المشتركة مع الفلبين”. وبعد مدة طويلة من التأخير، أصدر الكونجرس الأمريكي تشريعاً من شأنه أن يموّل الاتفاقيات الأساسية للولايات المتحدة مع دول جزر المحيط الهادئ، وقدَّم مجلس الشيوخ، في 8 مارس 2024، تمويلاً بقيمة 7.1 مليار دولار على مدار عشرين عاماً لاتفاقيات الارتباط الحر (كوفا)، وهي اتفاقية توفر للولايات المتحدة إمكانية الوصول العسكري الحصري إلى بالاو، وجزر مارشال، وولايات ميكرونيسيا المتحدة، في مقابل الدعم الاقتصادي.

 

الشكل 5: التنافس الأمريكي-الصيني في منطقة الإندو-باسيفيك  

المصدر: الجزيرة، ديسمبر 2023.

 

لكن، إلى الآن، لا يبدو أن الولايات المتحدة تملك استراتيجية غير متماثلة ومكافئة لاستراتيجية الميليشيات البحرية الصينية، وقادرة على ردعها، إذ لا تزال تركز على الاتفاقات الدفاعية مع دول المنطقة، والتحالفات العسكرية التقليدية في المنطقة.

 

ومن المرجح أن يعتمد الدور المستقبلي للميليشيات في استراتيجية الصين البحرية على البيئة الأمنية الآخذة في التحول في المنطقة، لاسيما أن اتفاقيات أمنية، مثل أوكوس وتحالف كواد، لا تزال تبدو بمثابة تهديدٍ وتحدٍّ لأمن بيجين ومطالباتها في البحار الصينية. وبمرور الوقت، يمكن للدول الأخرى، المطالبة بالسيادة في بحر الصين الجنوبي، أن تبني وعياً أقوى بالمجال البحري، وقدرات عسكرية بحرية وساحلية أكبر بمساعدة دول مثل اليابان وأستراليا، وهي قدرات من شأنها أن تساعد هذه الدول على تقوية مقاومتها في مواجهة الميليشيات الصينية.

 

الاستنتاجات

توفر الميليشيات البحرية للصين ذراعاً قوياً يُساعدها في استعراض قوتها، وتأمين مصالحها في منطقة تشهد تغيُّراً في بنيتها الأمنية. وتعد قضية تايوان، التي تأتي على رأس قائمة نقاط النزاع بين الصين والولايات المتحدة، إحدى الاعتبارات الرئيسة الأخرى في استخدام بيجين للميليشيات البحرية، حيث يمكن للصين أن تستخدم هذه الميليشيات للإشارة إلى الولايات المتحدة بأنها لا تزال عازمة على متابعة زيادة التصعيد، إذا لزم الأمر، استجابًة للتطورات المتعلقة بتايوان، وربما حتى لخلق بيئة أكثر عدائية لحركة المرور الدولية والسفن. وإذا اندلع صراع بين الصين والولايات المتحدة بخصوص تايوان، فقد تؤدي الميليشيات البحرية دوراً أساسية في عملية حصار تايوان، وإغراق المجال البحري حولها بالسفن.

 

وتُظهِر المواجهة بين الصين والفلبين أن منطقة بحر الصين الجنوبي مُهيئة للمزيد من التقلبات الأمنية في المنطقة، والتي قد تتسبب في إطلاق سباق تسلح، والإخلال بالتوازن بشكل كامل في المنطقة.

 

وفيما تهدف سياسة تكثيف الوجود العسكري الأمريكي، وبناء التحالفات الأمنية مع قوى أخرى لاحتواء نفوذ الصين، ومواجهة أنشطتها البحرية، لكن هذه الاستراتيجية، إلى الآن، لا تزال تقليدية، ولا تكافئ السياسة غير المتماثلة التي تقدمها الميليشيات البحرية للصين، أو تُقدِّم بديلاً فعالاً لحماية مصالح الدول الإقليمية. ويُمثل ذلك فرصة بالنسبة لبيجين للمزيد من التوسُّع في نشر الميلشيات البحرية في بحر الصين الجنوبي، نظراً للطبيعة المزدوجة المدنية – العسكرية لها، واستبعاد احتمال تسببها في اندلاع حرب واسعة النطاق، على عكس انخراط أسطول جيش التحرير الشعبي المباشر.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/dawr-almilishiat-albahria-alsiynia-fi-alnizae-bayn-bijin-walfilibiyn

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M