هارلاند: أفغانستان – درس في كيفية عدم التفاوض

 عادل رفيق

 

نشر موقع مركز الحوار الإنساني، وهو منظمة دبلوماسية خاصة مقرها سويسرا تعمل على المساعدة في الوساطة بين الأطراف المتنازعة لمنع أو إنهاء النزاعات المسلحة، في 23 أغسطس 2021 مقالاً بعنوان “أفغانستان: درس في كيفية عدم التفاوض” كتبه ديفيد هارلاند، المدير التنفيذي للمركز. حيث يؤكد هارلاند في صدر مقاله أن “التدخل العسكري ليس وصفةً لإصلاح الدول الفاشلة؛ لا في أفغانستان، على غرار ما أبرزته المشاهد الأخيرة الآتية من كابول وباقي مناطق ذلك البلد المتضرر، ولا في أي مكان آخر”. وتابع هارلاند مقاله، على النحو التالي:

على مدى السنوات العشرين الماضية، قادت الولايات المتحدة أو دعمت التدخلات العسكرية في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن. وقد أدى ذلك إلى خسائر فادحة في الأرواح في جميع تلك الدول، وكبّد ذلك  الولايات المتحدة أيضاً خسائر فادحة في الأرواح والأموال – وينطبق ذلك أيضاً على القوة والمكانة الأمريكية.

لماذا تستمر الولايات المتحدة في القيام بذلك، في حين أن النتائج تبدو في غاية الوضوح للجميع؟

هناك ثلاثة أسباب رئيسية لذلك، تتمثل في:

أولاً، قبل مائتي عام تماماً، قال جون كوينسي آدامز، الرئيس السادس للولايات المتحدة (١٨٢٥-١٨٢٩): “على الأمريكيين ألا يتوجهوا إلى الخارج ليذبحوا تنانين لا يفهمونها باسم نشر الديمقراطية” (أي يواجهون ما لا يدركون عواقبه من تدخلات في الخارج، بحجة نشر الديمقراطية). لكنهم فعلوا ذلك، وما زالوا يفعلون. إن النظر لأمريكا، كمدينة فوق تلة عالية، وأن عليها أن تنقذ العالم، هي رؤية متعمقة للغاية في العقلية الأمريكية.

ومنذ عهد جورج واشنطن، والولايات المتحدة تتصارع في داخلها مع تيار وطني غير تدخلي. لكن غريزة التبشير (بالديمقراطية) قوية لديها وغالباً ما تكون هي المهيمنة – وعادة ما تكون نهايتها سيئة.

ثانياً، وهو يرتبط بالسبب الأول، فإنه يتم تقديم السياسة الخارجية للولايات المتحدة دائماً على أنها تتعلق بخيارات ثنائية: الخير والشر، الصواب والخطأ، معنا أو ضدنا. ’الحل جيد‘ و ’التسوية سيئة‘.

ثالثاً، منذ عام 1995، كان هناك تأييد من جانب الحزبين الأساسيين في الولايات المتحدة للتدخل العسكري كحل لمجموعة كاملة من المشاكل الدولية. بدأت هذه التدخلات في البوسنة، حيث كان يُنظر إلى الحملة ضد الصرب على أنها مثال على كيفية استخدام للولايات المتحدة لقوتها التي لا تُبارى لتخليص العالم من “مشاكل جهنمية” – وذلك على النقيض من سمات الاستكانة والعجز التي تظهر عند الأوروبيين.

لكن لم يكن ينبغي أن تكون البوسنة محفزاً على التدخل العسكري في أماكن أخرى. فما أظهرته البوسنة هو أن القوة الأمريكية وجبروتها ربما لم تكن لتستطيع أن تقدم الكثير من تلقاء نفسها، وحتى لو كان ذلك في بلد صغير تم استنزاف جميع الأطراف فيه، حيث كان “الأشرار” على أية حال على شفا الهزيمة، وكانت العناصر الأساسية للاتفاق قد تمت الموافقة عليها بالفعل.

وبالنظر إلى كل هذه العناصر مجتمعة – الحماس في التبشير بالديمقراطية، والنظر للأمور من منظور ’إما أسود أو أبيض‘، وازدراء التسوية، والابتهاج برؤية القوة الأمريكية تُستخدم لإظهار تأثير واضح – كانت الحالة في السياسة الأمريكية للتدخل العسكري لا يمكن إيقافها تقريباً منذ ما يقرب من 25 عاماً.

لقد قوَّضت هذه العقلية جميع الحلول التفاوضية التي كان يمكن أن تسفر عن نتائج أفضل من تلك التدخلات.

كان الأخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة، قد أراد أن يأتي بطالبان وحلفائهم إلى  اجتماع موسع للتفاوض (أو لويا جيرغا، بلغة البشتون) في عام 2002، عندما كان قادة الحركة الإسلامية أكثر استعداداً للتحدث وتقديم التنازلات. لكن الولايات المتحدة رفضت ذلك، تماماً كما أبلغت الأمم المتحدة بخصوص أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق. وكما عبّرت عن ذلك كوندوليزا رايس، مستشارة الأمن القومي الأمريكي في الفترة (2001-2005) ووزيرة الخارجية في الفترة (2005-2009)، حين قالت إن الولايات المتحدة لا تريد من الأمم المتحدة أن تجلب أي شخص ممن “أيديهم ملطخة بالدماء” إلى طاولة المفاوضات.

ويبدو، في واقع الأمر، أن التواجد الأمريكي الخاطئ في أفغانستان هو درس في كيفية عدم التفاوض.

بادئ ذي بدء، لا ينبغي أن تنتظر حتى يصبح عدوك قوياً حتى تبدأ في التحدث إليه. وعندما تتحدث إليه، فلا ينبغي أن تمنحه الشيء الوحيد الذي يريده حقاً قبل بدء المحادثات بالفعل.

لكن هذا ما فعله تماماً دونالد ترامب. فقد أعلن أن الولايات المتحدة ستسحب قواتها من أفغانستان، ثم أرسل مبعوثه للتفاوض بشأن ذلك. ولكن لم يكن لهذا التفاوض أي معنى، لأن طالبان كانت تريد فقط رحيل الأمريكيين عن أفغانستان. وبمجرد أن حصلوا على ذلك، لم يكن لدى طالبان أي سبب لمنح الأمريكيين “فترة زمنية مناسبة” مثل تلك التي سعى إليها ريتشارد نيكسون من الفيتناميين الشماليين في السبعينيات من القرن الماضي.

ولا ينطبق هذا على أفغانستان فقط. لقد قوّضت الولايات المتحدة في نهاية المطاف وبكل حماس جميع التسويات المبنية على التفاوض في معظم الأماكن التي غزتها.

ففي البوسنة، وقبل بدء الحرب، شجعت الولايات المتحدة المسلمين البوسنيين على التراجع عن الصفقة التي أبرموها مع الكروات والصرب في لشبونة – مما أدى إلى نتائج كارثية.

وفي العراق، منعت الولايات المتحدة كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، من إجراء مزيد من المفاوضات بشأن أسلحة الدمار الشامل، غير الموجودة أصلاً.

وفي ليبيا، عارضت الولايات المتحدة بشدة أي جهد أفريقي لإيجاد مخرج منظَّم للعقيد معمر القذافي.

والجزء الأكثر إثارة للحزن في كل هذا – عندما تهرب أمريكا من كابول ويحاول الأفغان اليائسون أن يفعلوا الشيء نفسه – هو أن الدروس واضحة ومعروفة منذ فترة طويلة.

يمكن للجيوش أن تدمر الأشياء، لكنها لا تستطيع أن تبني الكثير. ومعظم الناس لا يحبون الاحتلال العسكري الأجنبي. إن البديل عن الموقف السيئ لا يكون دائماً هو الأفضل. والتسوية ليست دائما أمراً سيئاً. فإذا لم تستطع أن تقضي على أعدائك، فعليك أن تتحدث معهم.

 

.

رابط المصدر:

https://eipss-eg.org/%d9%87%d8%a7%d8%b1%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%af-%d8%a3%d9%81%d8%ba%d8%a7%d9%86%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d8%af%d8%b1%d8%b3-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d9%8a%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d8%af%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d8%a7%d9%88%d8%b6/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M