شراكة متنامية… القمة الأمريكية – الأفريقية الثانية

نسرين الصباحي

 

تستضيف العاصمة الأمريكية واشنطن قادة من جميع أنحاء القارة الأفريقية خلال الفترة 13-15 ديسمبر 2022، بحضور 49 دولة أفريقية باستثناء الدول التي علق الاتحاد الأفريقي عضويتها بسبب الانتقال غير الدستوري للسلطة وهي: السودان، ومالي، وبوركينا فاسو، وغينيا كوناكري؛ لتعزيز التعاون بشأن الأولويات العالمية المشتركة، ومناقشة مجموعة من القضايا ومعالجة التحديات العالمية بما في ذلك: تعزيز الأمن الغذائي، والأمن الصحي، والاستجابة لظاهرة التغير المناخي، وتعزيز استثمارات البنية التحية، وتعزيز السلام والأمن والحكم الرشيد، وتعزيز الالتزام بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، وتعزيز الشراكات الاقتصادية الجديدة.

في هذا السياق، سيتضمن جدول أعمال القمة ثلاثة أيام بموضوعات مختلفة، حيث تم تخصيص يوم 13 ديسمبر للمجتمع المدني من خلال تنظيم منتدى القادة الشباب الأفارقة والشتات، والاجتماع الوزاري لقانون النمو والفرص في أفريقيا “أجوا”، فيما يشمل يوم 14 ديسمبر منتدى الأعمال الأمريكي الأفريقي(USABF) تحت شعار “الشراكة من أجل مستقبل مزدهر وقادر على الصمود”، فيما تم تحديد يوم 15 ديسمبر لاجتماعات وفعاليات قادة الدول الأفريقية، وأحداث جانبية لمراكز الفكر والجمعيات التي تضم قادة الدول الأفريقية.

سياقات ضاغطة وأهداف طموحة ودلالات مهمة 

تنعقد القمة وسط تحديات متعددة ومُتشابكة تُواجه القارة الأفريقية، في مقدمتها ظاهرة الإرهاب الممتدة في أنحاء دول القارة، وانعدام الأمن الغذائي والتداعيات السلبية لظاهرة التغير المناخي، فضلًا عن موجة وعدوى الانقلابات العسكرية وتعثّر المرحلة الانتقالية التي اجتاحت عددًا كبيرًا من دول غرب أفريقيا، وتفاقم الصراعات الداخلية والنزاعات المسلحة النشطة في دول القارة مثل: الصومال، وجنوب السودان، ومالي، وموزمبيق، وأفريقيا الوسطي، ونيجيريا، وغيرها.

بالإضافة إلى تصاعد أهمية القارة الأفريقية على الساحة الدولية، والتنافس الدولي على استقطاب دول القارة، في ظل تغير ملامح النظام الدولي وظهور تحديات وأزمات عالمية مثل: الغذاء، والطاقة، والتغير المناخي، والأوبئة. مع الاهتمام الدولي المتزايد بثقل وأهمية الدول الأفريقية في التشابك مع هذه القضايا والتحديات العالمية؛ إذ تتمتع الدول الأفريقية بفرصة لموازنة علاقاتها بين الأقطاب الدولية؛ نظرًا إلى ما تمتلكه من موارد وثروات اقتصادية، وأهميتها الجغرافية الاستراتيجية، وكتلها التصويتية في الأمم المتحدة.

تُظهر القمة التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه أفريقيا، وتؤكد على أهمية العلاقات الأمريكية الأفريقية، حيث تهدف إلى تحويل مشاركة الولايات المتحدة مع أفريقيا من علاقة غير متكافئة إلى شراكات متساوية. وتعد هذه القمة المحطة الأولى لما أصبح دائرة عالمية لقمم أفريقيا التي تعقدها الصين وروسيا وتركيا وفرنسا واليابان والاتحاد الأوروبي، في ظل الصورة الذهنية التي كانت سائدة لدى الولايات المتحدة الأمريكية بأن أفريقيا مشكلة يجب حلها، لكن تنظر الدول المتنافسة الأخرى إلى أفريقيا على أنها مكان للفرص.

في السياق ذاته، من المتوقع أن تكشف القمة عن عددٍ من المبادرات وفي مقدمتها مبادرات جديدة لتعزيز مشاركة الولايات المتحدة مع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، بالإضافة إلى مبادرات تعافي القارة من جائحة (كوفيد-19)، وتعزيز الأمن الغذائي وتشجيع الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والصحة والطاقة المتجددة. وستضم سلسلة من الصفقات التجارية بين الشركات الأفريقية والأمريكية، ومبادرة لتعزيز الاقتصاد الرقمي للقارة.

ومن المحتمل أن يُعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن الدعم الأمريكي لمقعد الاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين، وكذلك لتمثيل أفريقي أكبر في المؤسسات العالمية مثل صندوق النقد الدولي. فضلًا عن مبادرات الاستفادة من الشتات الأفريقي للحصول على أفكار جديدة في التعليم العالي والصناعات الإبداعية والبيئة وللتعاون مع وكالة ناسا في برامج الفضاء.

ارتباطًا بالسابق، توجد فرص لمشاركة الولايات المتحدة في تعزيز مبادرات الأمن الغذائي لأفريقيا؛ لتعكس كيفية تقاطع الحوافز والقدرات والمخاطر مع النظام الغذائي من خلال تعزيز الاستثمارات في البحوث الزراعية والإرشاد والتنمية للحد من تعرض أفريقيا للصدمات العالمية التي ظهرت جليًا في تداعيات جائحة كوفيد-19، والحرب الأوكرانية، بما في ذلك تعطل سلاسل الإمداد والتوريد وارتفاع أسعار الغذاء.

بالإضافة إلى تعزيز المشاركة مع القطاع الصحي في أفريقيا بما يتجاوز زيادة المساعدات الصحية والتمويل، وتعزيز التجارة والاستثمار في أفريقيا، في ظل وفرة الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة في دول القارة من خلال تجديد وتوسيع تفضيلات قانون “أجوا” بطريقة تدعم التكامل الاقتصادي الإقليمي الأفريقي جنبًا إلى جنب مع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية عن طريق تزويد الدول الأفريقية بإمكانية الوصول إلى الأسواق الأمريكية عن طريق أحكام معفاة من الرسوم الجمركية. وأيضًا تعزيز العلاقات في مجال التقنيات الناشئة لدعم الدول الأفريقية في تطوير وتنفيذ التحول الرقمي، والحكومة الرقمية والاستثمارات الواسعة للقطاع الخاص.

الأولويات العالمية… مجالات التعاون والشراكة بين الولايات المتحدة وأفريقيا 

أكدّ وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكين” خلال جولته الخارجية الأخيرة في أفريقيا أن أفريقيا ستشكل مستقبل ليس فقط الشعوب الأفريقية ولكن العالم؛ إذ تعد القارة واحدة من أسرع المناطق نموًا في العالم، وأكبر مناطق التجارة الحرة، وأكثر النظم البيئية تنوعًا، وواحدة من أكبر مجموعات التصويت الإقليمية في الأمم المتحدة، في إطار البحث عن سبل تعزيز الشراكات متبادلة المنفعة لخلق فرص العمل ودفع النمو الشامل والمستدام بين الولايات المتحدة وأفريقيا.

فمنذ يونيو 2019، ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية في إبرام أكثر من 800 صفقة تجارية واستثمارية ثنائية الاتجاه عبر 45 دولة أفريقية تُقدر قيمتها بنحو 50 مليار دولار من إجمالي الصادرات والاستثمارات. وتم تنفيذ هذه الصفقات من خلال مبادرة (Prosper Africa) وهي مبادرة أمريكية تستفيد من خدمات وموارد 17 وكالة حكومية أمريكية لزيادة التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية.

وعلى جانبٍ آخر، تغيرت الأوضاع منذ القمة الأمريكية الأفريقية الأولى التي استضافها الرئيس الأمريكي السابق” باراك أوباما” عام 2014؛ إذ سجلت التجارة الصينية مع أفريقيا رقمًا قياسيًا بلغ 261 مليار دولار أمريكي، وكذلك ارتفاع حجم ديون الدول الأفريقية المستحقة للصين. في المقابل، تضاءلت التجارة الأمريكية مع أفريقيا إلى 64 مليار دولار أمريكي مجرد 1.1 في المائة من التجارة العالمية للولايات المتحدة. وبرزت روسيا كأكبر مورد أسلحة وشركات الأمن الخاصة مثل قوات “فاجنر” الروسية في دول القارة. في حين، قامت تركيا ببناء العشرات من السفارات الجديدة والمطارات والمساجد والمستشفيات والملاعب الرياضية حتى في مناطق الصراع مثل الصومال.

انطلاقًا من ذلك، توجد ضرورة مُلحّة لتعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية لمواجهة التحديات العالمية التي ستعمل القمة على تقويتها، ويمكن توضيح أهم هذه التحديات والأولويات المشتركة، على النحو التالي:

• التغير المناخي: تتحمل أفريقيا العبء الأكبر من التداعيات السلبية لظاهرة التغير المناخي، حيث تقع 16 دولة من أصل 20 دولة أكثر عرضةً للتأثر بالمناخ في أفريقيا. وكجزء من خطة عمل الاستعداد لإدارة “بايدن”، تتعاون الولايات المتحدة مع البلدان والمجتمعات الأفريقية من أجل التكيف مع التغير المناخي؛ من خلال تعزيز مرونة البنية التحتية وأنظمة المياه والصحة والغذاء.

• الصحة العالمية: شاركت الولايات المتحدة الدول الأفريقية في هذا الصدد من خلال برامج مثل خطة أمريكا لطوارئ الإغاثة من الإيدز ومبادرة مكافحة الملاريا؛ إذ ساعدت الاستثمارات الأمريكية الأفريقية في تعزيز النظم الصحية والتصدي لوباء كوفيد-19 وجدري القرود والإيبولا والتهديدات الأخرى للصحة العامة، وتبرعت الولايات المتحدة بأكثر من 194 مليون جرعة لقاح لدول القارة بالشراكة مع مبادرة كوفاكس والصندوق الأفريقي لاقتناء اللقاحات.

• الأمن الغذائي: تعمل حكومة الولايات المتحدة مع الحكومات المحلية والمنظمات الزراعية في جميع أنحاء القارة الأفريقية للحد من الجوع العالمي والاستثمار في المرونة الزراعية والابتكار، ويأتي أحد البرامج الأمريكية، المسمى Feed the Future في أفريقيا، والآن توجد 16 دولة من أصل 25 دولة حاليًا في مبادرة إطعام المستقبل في أفريقيا.

آليات محددة للمضي قدمًا 

لا تزال القضايا التي أعاقت تقدم أفريقيا لفترة طويلة، بما في ذلك الفقر والصراع والمجاعات والفساد، مستمرة ، لكن القارة تتمتع أيضًا بالعديد من نقاط القوة الجديدة التي تجذب القوى الأجنبية. مع انخفاض معدلات المواليد في أماكن أخرى، فمن المتوقع أن يتضاعف عدد سكان أفريقيا بحلول عام 2050، وستمثل القارة ربع سكان العالم، وستكون سوقًا ضخمة، مع احتياطيات ضخمة من المعادن النادرة لتشغيل المركبات الكهربائية في المستقبل. ولذلك، غيرت هذه المقومات رؤية القوى الدولية المختلفة لتصاعد أهمية القارة الأفريقية، وسياسة بناء الشراكات في القرن الحادي والعشرين بكون القارة الأفريقية لاعبًا جيوسياسيًا في تشكيل النظام العالمي الجديد.

وبناءً عليه، لاستمرار وتعزيز الشراكات المتنامية بين الولايات المتحدة ودول القارة الأفريقية، وتنفيذ مخرجات القمة، توجد ضرورة لعمل مجموعة من الآليات والإجراءات على النحو التالي: 

  • تشكيل آلية شراكة أمريكية – أفريقية للبدء في عمل هياكل شراكة رسمية بنفس الجدية مثل تلك الخاصة بعلاقة أمريكا عبر المحيط الأطلسي مع أوروبا.
  • تشكّيل مجموعة عمل مشتركة لوضع قائمة بالمشروعات ذات الأولوية لاتخاذ إجراءات سريعة في العام القادم لدعم أجندة الاتحاد الأفريقي لعام 2063 مثل مشروعات شبكة السكك الحديدية عالية السرعة أو مبادرات الرقمنة. وكذا، الاستفادة من التعهدات التي قدمتها بالفعل الولايات المتحدة، على سبيل المثال 200 مليار دولار في خمس سنوات للشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار.
  • الاتفاق على استراتيجية للدفع بإصلاحات هيكلية للمؤسسات الدولية: مجلس الأمن الدولي، ومجموعة العشرين، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والتي تعد ضرورية لإدماج أفريقيا في نظام لتعزيز السلام والتنمية، في ظل دعوة “بايدن” الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2022 بأن الولايات المتحدة ستدعم إصلاح مجلس الأمن، مشيرًا على وجه التحديد إلى إضافة أعضاء دائمين من أفريقيا.
  • ضرورة أن تكون أي شراكة أمريكية فعالة من أجل أفريقيا أكثر استقرارًا وازدهارًا مسألة إجماع أمريكي واسع عبر الإدارات والأحزاب السياسية، ويظهر أساس هذا الإجماع في إجراءين محددين من الحزبين من قبل الكونجرس خلال السنوات الأخيرة من خلال تعزيز مشاركة الولايات المتحدة لأجندة الاتحاد الأفريقي؛ أحدهما قانون الهشاشة العالمية لعام 2019 والذي يعد بإصلاح سياسات وبرامج بناء السلام الأمريكية عبر الجنوب العالمي. والثاني إنشاء الكونجرس عام 2018 مؤسسة تمويل التنمية الدولية لدعم تطوير أعمال القطاع الخاص في الخارج.

من كل ما سبق، يتضح أن أجندة أعمال القمة تُولي اهتمامًا بالغًا بمعالجة التحديات العالمية ومناقشة القضايا المشتركة بين أفريقيا والولايات المتحدة من أجل الخروج بنتائج محددة لتمكين جيل قادم من النمو الشامل من خلال الابتكار وريادة الأعمال الطاقة والاستدامة في أفريقيا، وزيادة معدلات النمو والتحول إلى الطاقة الخضراء والاستدامة، وبناء نظام صحي أفريقي أكثر مرونة وأمانًا، وتوسيع نطاق الوصول إلى التمويل والاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز التجارة والاستثمار في أفريقيا. بالإضافة إلى الوصول إلى آفاق جديدة من التعاون والشراكة في كافة المجالات.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74502/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M